تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن فرعون (أراد) غير ذلك فقد عقد العزم على (استفزاز) بني إسرائيل ـ كما نجح في استفزاز قومه (استخفافهم) فأطاعوه ـ

ولكن أمر الله تعالى وتدبيره المحكم كان خيراً وأحكم من تدبير فرعون فأغرقه ولم يحقق له (الاستفزاز) الذي أراده وحلم به.

ما المقصود الاستفزاز الذي أراده فرعون؟

جل المفسرين ـ رحمهم الله تعالى وجمعنا بهم في مستقر رحمته ـ فسروا الاستفزاز بالإخراج من الأرض، إخراجاً حقيقياً إما بالطرد أو القتل.

وهذا تفسير مشكل، فإخراج بني إسرائيل من مصر أمنيتهم، وهو خلاف مراد فرعون الذي أرادهم مسخرين لخدمته وقومه، أتباعاً لهم، عبيداً .. فكيف ذلك؟

جواب ذلك: إن الاستفزاز في الآية الكريمة لا يمكن حمله على الطرد، بل العكس تماماً .. والشواهد تدل على ذلك،

ولذلك سيتم استقراء ما اشتق من الجذر (فزز) في القرآن الكريم والسنة وكلام العرب والمعاجم، ثم استنباط المعنى الأنسب إلى سياق الآيات الكريمة، والذي لا يخالف المسلمات التاريخية ويزيل احتمال التناقض بين الآيات الكريمة. كقوله تعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما السلام ـ في سورة الشعراء ـ: " فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) ".

أولاً: مادة (فزز) في القرآن الكريم ... تكرر ما اشتق من (فزز) في القرآن الكريم ثلاث مرات جميعها في سورة الإسراء (وفي هذا إشارة ينبغي دراستها في مقابلة الوحدة الموضوعية لسورة الإسراء).

الأولى ـ في خطاب الله تعالى لإبليس ـ: " قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) ".

الثانية في بيان نعم الله تعالى على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) ".

الثالثة ـ في سياق بيان ضعف مكر فرعون ـ: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".

دراسة معنى الاستفزاز في الآية الأولى:

ذكر المفسرون ـ وحتى البخاري في صحيحه مرتين ـ في تفسير الآية الأولى أن المقصود باستفزاز إبليس: استخفافه.

فعلاقة الشيطان بأوليائه علاقة استخفاف السيد بأتباعه ..

ومثله استخفاف فرعون بقومه قال تعالى في سورة الزخرف: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) ". وفسر العلماء استخفافه (((((بالاستفزاز))))) انظر القرطبي والجلالين.

هذا استفزاز (استخفاف) ناجح.

وذكر القرآن الكريم مثالاً على استفزاز غير ناجح بسبب توفيق الله تعالى.

قال تعالى في آخر آية من سورة الروم: " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) ".

قال النحاس في معاني القرآن: عن معنى لا يستخفنك: " لا يستفزنك ".

على هذا: الاستفزاز والاستخفاف بمعنى واحد.

دراسة معنى الاستفزاز في الآية الثانية والآية الثالثة:

تتحدث الآيتان عن إرادتين:

الأولى: إرادة الله تعالى الشرعية ثم إرادة عباده المؤمنين بنقل المؤمنين من مكان لا يستطيعون فيه تحقيق أمر الله تعالى بإقامة الخلافة المأمور بها شرعا وعمارة الأرض وفق حكم الله تعالى والتمكين لهم.

الإرادة الثانية: محاولة الشيطان وأتباعه استمالة المؤمنين إلى جانبهم والاستخفاف بهم ليطيعوهم كما أطاعهم كثير من (الأنعام).

هنا تتصارع الإرادتان: إرادة من لا يرضون الحكم إلا لله تعالى ويرفضون التبعية لمخلوق.

وإرادة تريد سلب عزة المؤمن واستمالته بأطماع الدنيا وشهواتها الرخيصة .. وقد عبر عنها القرآن الكريم بعبارات منفرة: استخفاف، استفزاز ...

ولكن الله تعالى وعد النبيَّين (موسى ومحمد عليهما السلام) بأن مكر أعدائهما سيزول وأن العاقبة لهما، وسيمكنان من الأرض .. ولن يتحقق للكفار أمنية (استفزازهم من الأرض) بل سيتحقق (تمكينهم في الأرض).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير