تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا سارت مرحلة القراءة في مطلع القرن الأول الهجري في الاعتماد على الرواية المشافهة من أفواه الصحابة الذين أخذوا القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقروا في الأمصار الإسلامية التي بعثهم إليها الخليفة الراشد عثمان بن عفان مع المصاحف، وقد توخى عثمان في اختيار هؤلاء الموفدين أن يكون مع كل مصحف قارىء توافق قراءة أهل ذلك المصر في الأكثر الأغلب. (22)

وبعد تلك المرحلة انتقلت القراءات من طور الرواية المجردة إلى طور التدوين والتأليف في القراءات، وأول من ينسب إليه مؤلف في القراءات هو يحيى بن يعمر (ت89 هـ) ثم توالت المؤلفات في تدوين القراءات، وكان ممن ألَّف في هذا المجال أبان بن تغلب (ت 141 هـ)، ومقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)، وزائدة بن قدامة الثقفي (ت 161 هـ)، وغيرهم ممن ألفوا الكتب في هذا المجال وكان اشهرها كتاب أبي عبيد القاسم بن سلاَّم (ت 224 هـ) الذي جعل القراء خمسة وعشرين قارءاً. (23)

وهكذا تتابعت المؤلفات في هذا العلم حتى عصر ابن مجاهد (ت 324 هـ) الذي كان له الأثر الكبير في توجيه الاهتمام والتأليف في القراءات القرآنية.

[ line]

المبحث الثاني

مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية عند العلماء

نالت مسألة الأحرف السبعة والأحاديث النبوية التي ذكرت الأحرف السبعة اهتمام علماء المسلمين، ولا يكاد كتاب تناول القراءات أو علوم القرآن إلاَّ وقد عرض لهذا الموضوع بالبسط والتفصيل، لهذا سوف أكون في منأى عن الخوض في هذه المسألة، لانَّ الموضوع أُشبع بالدرس والتأليف، كما أن هذا المبحث منعقد حول بيان موقف العلماء من اختلاف القراءات القرآنية ومفهومهم لهذا الاختلاف، فهذا الموضوع من الأهمية بمكان، ويحتاج إلى شيء من التفصيل والبيان، لأنَّه أمر يتعلق بجانب اعتقادي في حياة المسلم، إذ يجب على المسلم أن ينفي عن القرآن وقراءاته التناقض والاختلاف والتدافع، وإن هذا الجانب من الموضوع تعرض للطعن والتشكيك من قبل بعض المستشرقين المغرضين، وراحوا يصفون القرآن وقراءاته بالتناقض والاضطراب.

وكان من أجرئهم المستشرق جولد تسيهر (24)، الذي وصف القرآن والقراءات بالاضطراب وعدم الثبات، إذ يقول: ((لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في نص القرآن.)) (25)

وهو يقصد هنا اختلاف القراءات كما صرح في كلامه بعد ذلك، ويقول في موطن آخر وهو يعرض للقراءات الواردة في قوله تعالى: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [الروم: 1 - 3]، ويشير للاختلاف في قراءة (غلب الروم و سيغلبون) بالبناء للمعلوم والمجهول فيهما، واخذ يصف القراءتين بالتناقض، إذ يقول: ((إنَّ القراءتين متناقضتان في المعني، المغلوبون في القراءة المشهورة هم الغالبون في القراءة الأخرى.)) (26)، ولا غرابة من هذا المستشرق الذي صرح بأقبح من ذلك واسفه، مما يدل عن جهله في هذا الموضوع إنْ لم نقل فساد نيته وقصده السيء في الطعن بالقرآن والقراءات، إذ يقول: ((وقد رأى قتادة أن الأمر بقتل النفس أو قتل العصاة في قوله تعالى: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [البقرة:54]، هو من القسوة والشدة بحيث لا يتناسب مع الفعل فقرأ (فاقْيُّلُوا أنفسكم)، أي: حققوا الرجوع والتوبة من الفعل بالندم، وفي هذا المثال نرى وجهة نظر موضوعية كانت سبباً أدى إلى القراءة المخالفة.)) (27)

فهو يطعن بالقراءة المشهورة، ويصف قراءة قتادة ـ مع أنها شاذة (28) ـ بالموضوعية، وهو من جانب آخر يتهم القراء بالقراءة بالتشهي والاجتهاد، وكأن القراءة ليست سنة متبعة الأصل فيها التلقي والمشافهة لا الرأي والاجتهاد.

من أجل هذا كله كان بيان وجهة نظر علماء المسلمين حول هذه القضية له أهميته البالغة في الدراسات القرآنية والعربية، لذا سوف أعرض بشيء من الإجمال أقوال العلماء في هذه القضية مما يضع القاريء المهتم بالدرس القرآني في تصور صحيح لهذا الموضوع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير