تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن الاختلاف في القراءات هو اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وأن الاختلاف حاصل في الألفاظ المسموعة وليس في المعاني المفهومة، وبهذا صرح المهدوي (ت في حدود 440هـ) حين عرض لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أُنزل القرآن على سبعة أحرف، إذ قال: ((واختلف الناسُ في معنى الحديث اختلافاً كثيراً، فأكثرهم على أن معناه في الألفاظ المسموعة لا في المعاني المفهومة.)) (29)

وقوله (أكثرهم) لا يعني أن القلة من العلماء قائلون بالتناقض أو التضاد أو التنافر في القراءات، بل لهم تفسيرات مغايرة حول معنى الحديث، فبعضهم فسر الأحرف السبعة باللغات، وبعضهم فسرها بالحلال والحرام والمحكم والمتشابه وغيرها. (30)

وبين الداني (ت 444هـ) ما ينبغي اعتقاده في القراءات، إذ يقول: ((وجملة ما نعتقده من هذا الباب وغيره من إنزال القرآن وكتابته وجمعه وتأليفه وقراءته ووجوهه ونذهب إليه ونختاره فإن القرآن منزل على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ وحق وصواب وأن الله تعالى قد خير القراء في جميعها وصوبهم إذا قرؤوا بشيء منها وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضاد ولا تناف للمعنى ولا إحالة ولا فساد.)) (31)، وكان الداني من قبل هذا قد فصل القول في تعدد القراءات وبين المعاني التي تشتمل عليه اختلاف القراءات، حيث قال: ((وأما على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف فإنه يشتمل على ثلاثة معانٍ يحيط بها كلها

أحدها:- اختلاف اللفظ والمعنى الواحد.

والثاني:- اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضاد اجتماعهما فيه. والثالث:- اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه ونحن نبين ذلك إن شاء الله.)) (32)، ثم ساق من بعد ذلك القراءات ودلل على القواعد التي أصل لها حول هذا الموضوع. (33)

وأفاد من هذا التأصيل الإمام ابن الجزري (ت 833 هـ) ولكن بشيء من التفصيل والبيان والاستقراء الأوسع، فيقول: ((وأما حقيقة اختلاف هذه السبعة الأحرف المنصوص عليها من النبي? وفائدته فإن الاختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير، لاختلاف تضاد وتناقض، فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى، قال تعالى:? أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ? [النساء: 82]،وقد تدبرنا اختلاف القراءات كلها فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال:

أحدها:- اختلاف اللفظ والمعنى واحد.

الثاني:- اختلافهما جميعاً مع جواز اجتماعهما في شيء واحد.

الثالث:- اختلافهما جميعاً مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد.

فأما الأول فكالاختلاف في (الصراط، وعليهم، ويؤده، والقدس، ويحسب) ونحو ذلك مما يطلق عليه أنه لغات فقط. (34)

وأما الثاني فنحو (مالك، وملك) في الفاتحة، لأن المراد في القراءتين هو الله تعالى، لأنه مالك يوم الدين وملكه، وكذلك (يَكْذِبون، ويُكَذِّبون) لأن المراد بهما هم المنافقون، لأنهم يُكذِّبون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويَكْذِبون في أخبارهم …

وأما الثالث فنحو (وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ) بالتشديد والتخفيف، وكذا (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى،وبكسر الأولى وفتح الثانية … فإن ذلك كله وإن اختلف لفظاً ومعنى وامتنع اجتماعه في شيء واحد فإنه يجتمع من وجه آخر يمتنع فيه التضاد والتناقض.)) (35)

فحاصل ما ذكره ابن الجزري ومن قبله الداني أن اختلاف القراءات لا يلزم تناقض وتضاد واضطراب، وهذا ما قرره علماء المسلمين، بل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728 هـ) أن إجماع المسلمين منعقد على عدم تناقض القراءات أو تضادها، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً من أن المهدوي لا يقصد بقوله: (فأكثرهم) أن غيرهم يقول بالتناقض والتضاد، بل لا نزاع بين علماء المسلمين في أن القراءات لا تتضمن تناقض في المعنى ولا تضاد كما يقول ابن تيمية: ((ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير