تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معناها متفقا أو متقاربا كما قال عبد الله بن مسعود إنما هو كقول أحدكم أقبل وهلم وتعال، وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر لكن كلا المعنيين حق وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إن قلت غفورا رحيما أو قلت عزيزا حكيما فالله كذلك ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة، وهذا كما في القراءات المشهورة …

ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقا من وجه متباينا من وجه كقوله: (يَخْدَعُون ويُخَادِعون)، و (يَكْذِبون ويُكَذِّبون)،و (لَمَسْتُم ولامَسْتُم)،و (حتى يَطْهُرْن ويَطَّهَرْن) ونحو ذلك فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.)) (36)، ثم يشير بعد ذلك إلى أن أئمة علماء السلف وطوائف من أهل الكلام والقراء متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضاً خلافاً يتضاد فيه المعنى ويتناقض، بل يصدق بعضها بعضاً كما تصدق الآيات بعضها بعضاً. (37)

ونقل جملة من هذه الأقوال الإمام الزركشي (ت794 هـ) في البرهان والإمام السيوطي (ت911 هـ) في الإتقان (38)،مما يدل على أن المراد بالاختلاف في القراءات القرآنية هو اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تناقض وتضاد، بل رجح الإمام ابن حجر العسقلاني هذا المعنى وقواه على غيره، إذ قال في شرح قوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر منه): ((أي من المنزل، وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور، وأنه للتيسير على القارىء، وهذا يقوي قول من قال: المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف، ولو كان من لغة واحدة، لأنَّ لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر، ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما، نبه على ذلك ابن عبد البر، ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة.)) (39)

معنى هذا أن نزول القرآن باختلاف قراءاته لا يلزم منه تناقض ولا تضاد ولا تدافع بين مدلولات معانيه يسبب اضطراباً واختلافاً بين آيات القرآن، بل كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب قبولها والإيمان بها والعمل بمقتضاها، وفي ذلك يقول ابن الجزري: ((كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله، ولم يسع أحد من الأمة رده ولزم الإيمان به، وأن كله منزل من عند الله إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً، لا يجوز ترك موجب إحداهما لا جل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض.)) (40)

فمفهوم مصطلح (الاختلاف) في القراءات لا يعني التعارض والتباين كما يفهم هذا المعنى من المصطلح عند علماء الفقه، فالقراءات على اختلافها وتنوعها لم يتطرق إليها تضاد ولا تناقض، ولا تعارض وتباين كما يحصل ذلك في اختلاف وتنوع الفقهاء، وإلى هذا نبه الإمام الجليل ابن الجزري ـ رحمه الله ـ وفرق بين اختلاف القراء واختلاف الفقهاء، إذ يقول: ((وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء، فإن اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله وهو كلامه لا شك فيه، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي، والحق في نفس الأمر واحد، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر، نقطع بذلك ونؤمن به.)) (41)

فالاختلاف في القراءات حق لا تضاد فيه ولا تدافع بين معاني الآيات، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) [النساء:82]، وما دل عليه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للمختلفين في القراءة بقوله: أصبتم، أو كلاكما محسن، أو أي ذلك قرأتم أصبتم، وما دلت عليه نقولات علماء المسلمين من أن إحدى مقاصد القراءات الشاذة تفسير القراءات المشهورة وتبيين معانيها، يقول الزركشي: ((قال أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن إن القصد من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير