تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها وذلك كقراءة عائشة وحفصة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) وكقراءة ابن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) ومثل قراءة أبى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فيهن) وكقراءة سعد بن أبى وقاص (وإن كان له أخ أو أخت من أم فلكل) وكما قرأ ابن عباس (لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) قلت وكذا قراءته (وأيقن أنه الفراق وقال ذهب الظن) قال أبو الفتح: يريد أنه ذهب اللفظ الذي يصلح للشك وجاء اللفظ الذي هو مصرح باليقين انتهى،وكقراءة جابر (فإن الله من بعد إكراههن له غفور رحيم)،فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك فكيف إذا روى عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل على أنها من العلم الذي لا يعرف العامة فضله إنما يعرف ذلك العلماء ولذلك يعتبر بهما وجه القرآن.)) (42)

فإذا كانت القراءات الشاذة لا تقتضي تضاداً ولا تناقضاً، إنما هي مفسرة ومبينة للقراءات المشهورة، فكيف بالقراءات الصحيحة التي تلقتها الأمة بالرضى والقبول، فهل من المعقول أن تتضمن تناقضاً واختلافاً يقتضي التضاد يكون بها القرآن مضطرباً متبايناً؟!.

إنَّ هذا الكلام لا يصدر إلاَّ من رجلٍ ساءت نيته وفسدت عقيدته، لانَّ القرآن لا تناقض فيه ولا تباين ولا اضطراب، إنما هو آيات محكمات يصدق بعضها بعضاً، وإن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات من دون تناقض وتضاد، وفي هذا يقول الشيخ الزرقاني (ت 1367هـ): ((إن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدىء من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز، أضف إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله، فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضاد ولا إلى تهافت وتخاذل، بل القرآن كله على تنوع قراءاته يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم، وذلك من غير شك يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف، ومعنى هذا أن القرآن يعجز إذا قرىء بهذه القراءة ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثانية ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثالثة وهلم جرا، ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الوجوه والحروف ولا ريب أن ذلك أدل على صدق محمد لأنه أعظم في اشتمال القرآن على مناح جمة في الإعجاز وفي البيان على كل حرف ووجه وبكل لهجة ولسان ? لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [الأنفال:42].)) (43)

إنَّ الاختلاف والتنوع في القراءات يقوم مقام تعدد الآيات، وهو ضرب من ضروب الإعجاز انفرد به هذا الكتاب الكريم، وسنبين في المبحث اللاحق جانب واحد من جوانب إعجازه في تعدد القراءات،وما فيها من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن هذا القرآن بقراءاته كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه ((سلسلة واحدة متصلة الحلقات محكمة السور والآيات متآخذة المبادىء والغايات مهما تعددت طرق قراءته ومهما تنوعت فنون أدائه.)) (44)

[ line]

المبحث الثالث

القراءات والمعنى

من المعلوم أن الهدف الرئيس من تعدد القراءات واختلافها هو التيسير ورفع الحرج عن الأمة في قراءة كتاب ربها عز وجل، ولكن إلى جانب هذا الهدف احتوت ظاهرة التنوع في القراءات جوانب أخرى أعطت للنص القرآني تميزه وسموه على الكتب السماوية الأخرى وعلى النصوص البشرية النثرية والشعرية على حدٍ سواء، مما استحق أن يتصف هذا القرآن بالإعجاز.

وكان من بين هذه الجوانب جانب تعدد المعاني بتعدد القراءات،إذ كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير