تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقراءة بالتشديد معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الزجاج (ت 311 هـ): ((ويقرأ (يُكَذِّبونَ)، فمن قرأ (يَكْذِبُونَ) بالتخفيف فإنَّ كَذِبَهُم قولهم أنهم مؤمنون، قال عز وجل: (وما هم بمؤمنين)، وأما يُكَذِّبونَ بالتثقيل فمعناه بتكذيبهم النبي ?.)) (49)

فحاصل القراءتين أن المنافقين سيعذبون العذاب الأليم بسبب كذبهم وتكذيبهم، ففي القراءتين تنوع في المعاني، إذ بينت إحدى القراءتين أنهم كاذبون في أخبارهم، وبينت القراءة الأخرى بأنهم يُكَذِّبون النبي وما جاء به من عند الله تعالى، ومع هذا لا يقتضي هذا الاختلاف التضاد في المعنى، لأن المراد بهما هم المنافقون، يقول مكي ابن أبي طالب القيسي: ((والقراءتان متداخلتان ترجع إلى معنى واحد، لأنَّ من كذب رسالة الرسل وحجة النبوة فهو كاذب على الله، ومن كذب الله وجحد تنزيله فهو مكذب بما أنزل الله.)) (50)، ونحو هذا ذهب الداني في باب اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً مع جواز اجتماع القراءتين في شيء واحد من اجل عدم تضاد اجتماعهما فيه، إذ يقول: ((وكذا (بما كانوا يكذبون) بتخفيف الذال وبتشديدها، لأنَّ المراد بهاتين القراءتين جميعاً هم المنافقون، وذلك أنهم كانوا يَكذِبون في أخبارهم، ويُكذِّبون النبي فيما جاء به من عند الله تعالى، فالأمران جميعاً مجتمعان لهم، فأخبر الله تعالى بذلك عنهم وأعلمنا أنه معذبهم بهما.)) (51)،وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((في (يكذبون) قراءتان مشهورتان، فإنهم كذبوا في قولهم (آمنا بالله وباليوم الآخر) وكذبوا الرسول في الباطن وإن صدقوه في الظاهر.)) (52)، ويقول ابن كثير (ت 774 هـ): ((وقولهم ? بما كانوا يَكذِبون) وقرىء (يُكَذِّبون) وقد كانوا متصفين بهذا وهذا، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا.)) (53)

وبهذا فإن كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه القراءة الأخرى مع عدم التناقض والتضاد بينهما.

2 - قوله تعالى: ?يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ? [البقرة: 219].

فقرأ حمزة والكسائي (فيهما إثم كثير) بالثاء، وقرأ الباقون (إثم كبير) بالباء. (54)

فمعنى قراءة حمزة والكسائي (إثم كثير) من الكثرة، وذلك لأن شرب الخمر يحدث معه آثام كثيرة من لغط وتخليط وسب وأيمان وعداوة وخيانة وتفريط في الفرائض وفي غير ذلك، فوصف بالكثرة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ? إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ? [المائدة:91]، فذكر أشياء من الإثم. (55)

يقول أبو حيان (ت 745 هـ): ((ووصف الإثم بالكثرة إما باعتبار الآثمين فكأنه قيل فيه: للناس آثام، أي كل واحد من متعاطيها آثم، أو باعتبار ما يترتب على شربها مما يصدر من شاربها من الأفعال والأقوال المحرفة، أو باعتبار من زاولها من لدن كانت إلى أن بيعت وشريت فقد لعن رسول الله ? الخمر ولعن معها عشرة بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها ومعتصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها، فناسب وصف الإثم بالكثرة بهذا الاعتبار.)) (56)

أما معنى قراءة (إثم كبير) فهو من الكبر والعظم أ ي: فيها إثم عظيم، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:? وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ? [الشورى: 37]، فكذلك ينبغي أن يكون (إثم كبير) لأنَّ شرب الخمر والميسر من الكير، وفي هذا يقول الزجاج: ((فأما الإثم الكبير الذي في الخمر فبين، لأنها توقع العداوة والبغضاء، وتحول بين المرءٍ وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.)) (57)، ويقول مكي: ((أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر فوجب أن يوصف لإثمه بالكبر.)) (58)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير