تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فحاصل القراءتين هو التأكيد على تحريم الخمر وذمها لعظيم إثمها وعقوبتها، وكذلك لكثرة آثامها، فلا تناقض بين القراءتين، لأنهما في ذم الخمر وتقبيح شاربها، فكل قراءة بينت أمراً هو فيها، وهو من باب الاتساع في المعاني الذي لا يقتضي التضاد والتباين، وكلتا القراءتين مراد الله عز وجل، وفي ذلك يقول أبو حيان: ((ذكر بعض الناس ترجيحاً لكل قراءة من هاتين القراءتين على الأخرى وهذا خطأ، لأنَّ كلاً من القراءتين كلام الله تعالى، فلا يجوز تفضيل شيء منه على شيء من قبل أنفسنا إذ كله كلام الله تعالى.)) (59)

3 - قوله تعالى: ? أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [البقرة: 259].

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (ننشرها) بالراء، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ننشزها) بالزاي. (60)

فمعنى قراءة (ننشرها) أي: إحياؤها وبعثها بعد موتها، أما قراءة (ننشزها) فمعناها نرفعها والإنشاز نقلها إلى موضعها برفع بعضها إلى بعض وتركبه على حالته الأولى، فترفع العظام وتركب للإحياء، ومنه نشوز المرأة وهو ارتفاعها على زوجها، ومنه قوله تعالى: ?وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? [المجادلة:11]، أي ارتفعوا.

يقول الفراء: ((الإنشاز نقلها إلى موضعها، وقرأها ابن عباس (ننشرها)، إنشاءها: إحياؤها، واحتجَّ بقوله: ?ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ? [عبس: 22].)) (61)

وقال الزجاج: ((يقرا (نٌنْشِزُها) بالزاي و (نُنْشِرُها، ونَنْشُرُها) بالراء فمن قرأ نُنشزها كان معناه نجعلها بعد بِلاها وهجودها ناشزة ينشز بعضها إلى بعض، أي يرتفع، والنشز في اللغة ما أرتفع عن الأرض، ومن قرأ (نُنْشِرُها، ونَنْشُرُها) فهو من أنشر الله الموتى ونشرهم، وقد يقال نَشَرهم الله أي بعثهم، كما قال: ? وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ? [الملك: 18].)) (62)

فحاصل القراءتين أن الله بين كيفية إحياء الموتى، وذلك بإحياء العظام وبعثها من موتها التي كانت فيها كما دلت عليه القراءة بالراء، وبينت القراءة بالزاي كيفية إحياء العظام، وذلك برفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فضمن الله تعالى المعنيين في القراءتين، وفي هذا يقول الداني: ((المراد بهاتين القراءتين جميعاً هي العظم، وذلك أن الله تعالى أنشرها أي أحياها، وأنشزها أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فأخبر سبحانه أنه جمع لها هذين الأمرين من إحيائها بعد الممات ورفع بعضها إلى بعض لتلتئم فضمن تعالى المعنيين في القراءتين تنبيهاً على عظيم قدرته.)) (63)

فدل بالقراءتين على عظيم قدرته سبحانه في البعث والإحياء والتركيب من غير تناقضٍ أو تباينٍ أو تضادٍ فيهما.

4 - قوله تعالى: ? وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ? [الأنعام: 61].

قرأ عامة العشرة (وهم لا يُفَرِّطُون) بتشديد الراء، وقرأ الأعرج (وهم لا يُفْرِطُون) بتخفيف الراء وسكون الفاء. (64)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير