تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نعم: الحكمة تقتضي نزول الكتاب بلغة النبي وقومه، لكن من قال إن التحدي في هذه اللغة، وهل نزول القرآن عربياً يعني التسليم بأن التحدي في البلاغة لأن القوم كانوا فصحاء.

لقد افترضنا هذا وجعلناه حقيقة مسلمة مع أنه اجتهاد وليس نصاً في قرآن أو سنة، فلماذا جعلناه قاعدة ورحنا ندافع عنه.

...

المبحث الثالث

آيات التحدي بين الترتيب النزولي

والترتيب المصحفي

[القرآن الكريم عندنا معاشر المسلمين كلام دال على معانيه دلالة مأخوذة بالطريق الواضح العادي لدلالة الكلام العربي، فليس هو على ذلك بمحتاج إلى التفسير احتياجاً أصلياً، ولكن الحاجة إلى تفسير القرآن إنما هي حاجة عارضة نشأت من سببين:

السبب الأول: هو أن القرآن الكريم لم ينزل دفعة واحدة، وإنما كان نزوله وتبليغه في ظرف زمني متسع جداً، قدرهُ أكثر من عشرين عاماً، فكان ينزل منجماً على أجزاء مع فواصل زمنية متراخية بين تلك الأجزاء.

وكان نزوله في تقدم بعض أجزائه وتأخر البعض الآخر على ترتيب معروف يختلف عن ترتيبه التعبدي، لأن ترتيب تاريخ النزول كان منظوراً فيه إلى مناسبة الظروف والوقائع، مناسبةً ترجع إلى ركن من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

وترتيب التلاوة، أو الترتيب التعبدي كان منظوراً فيه إلى تسلسل المعاني وتناسب أجزاء الكلام بعضها مع بعض، وذلك يرجع إلى ركن آخر من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال.

وكلا الترتيبين راجع إلى الوحى، وكلاهما وقع به التحدي الإعجازي إلا أن أولهما مؤقت زائل بزوال ملابساته من الوقائع والأزمنة والأمكنة، والترتيب الآخر، وهو ترتيب التلاوة التعبدي باق لأنه في ذات الكلام يدركه كل واقف عليه وتالٍ له من الأجيال المتعاقبة بينما الترتيب التاريخي لا يدركه إلا شاهد العيان لتلك الملابسات، من الجيل الذي كان معاصراً لنزول القرآن جملة ممن كانت لهم تلك الملابسات دلائل وقرائن على ما أريد من المعاني التي استفادوها من التراكيب القرآنية.] [39]

وآيات التحدي التي هي مدار البحث خمسة، مذكورة في السور التالية:

[البقرة ـ يونس ـ هود ـ الإسراء ـ الطور].

هكذا رتبت الآيات في المصحف حسب ترتيب السور، وليس هذا ترتيب نزولها، ولابد من معرفة ترتيب النزول حتى نقف على مراحل التحدي، كيف بدأ؟ وكيف تنامي؟ ومن خلال النظرتين يمكن استخلاص بعض الدلالات التي تعين على فهم المراد من المثلية المتحدي بها.

وترتيب النزول كان على النحو التالي:

1) سورة الإسراء وفيها: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88)

2) سورة يونس وفيها: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38)

3) سورة هود وفيها: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)

4) سورة الطور وفيها: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ*فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (الطور33:34)

5) سورة البقرة وفيها: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23).


وأول ما يلفت النظر في هذا الترتيب أن التحدي بني على جذر واحد واضح يبين أن الضمير في قوله (مثله) لا يعود إلى على القرآن الكريم 0
فالبداية هي (يأتوا بمثل هذا القرآن) ولا يتصور بعد هذا عود الضمير على الرسول [40] هذا أولاً

ثانياً: أن الآيات بدأت بافتراض اجتماع الإنس والجن (لئن اجتمعت الإنس والجن) وهذا الافتراض لا يتصور عقلاً، مما يعني أن نتيجة هذا الافتراض ـ وهو المجيء بمثل القرآن ـ لا يتصور عقلاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير