تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالعجز: مؤخر الشيء، والجمع: أعجاز، حتى أنهم يقولون عجُزُ الأمر، وأعجاز الأمور .. ] [43]


وهذه الدلالة لم تتغير في كتاب الله تعالى، فقد جاءت بمعنى مؤخرة الشيء، كما في قوله سبحانه: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر: من الآية20).
وأيضاً بمعنى عدم القدرة كما في قوله سبحانه (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ) (المائدة: من الآية31).
وقد يظن القارئ أن الأصلين لا رحم بينهما [ولكن الرحم بينهما موصولة فإن الضعف من ولائد التأخر، فالذي يعجز عن الأمر، أي يضعف عنه إنما هو آتيه في آخر ذلك الأمر، فلا يستقيم له الاقتدار عليه ... وكل من تأخر عن القيام بالأمر في عجزه: ضعف عنه.
وأيضاً من حاول في آخر أمره شيئاً لم يقتدر عليه في أوله، فسواء أكان التأخير من شأن الفاعل أو من شأن المفعول فإنه يترتب على ذلك ضعف.] [44]
ومن الممكن (في رأيي) أن يقال: عجز عن كذا مع أنه لم يحاوله ولم يرغب في المحاولة ذلك لأنه يعلم علم اليقين أن هذه المعجزة خارجة عن طوقه، ولذا قالت الجن: (لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (الجن: من الآية12).
فهم لم يحاولوا: ولم يدر بخلدهم أن يحاولوا.
أما أن يقال: [إن علمه بحال نفسه: وحال ما يريد محاولته بمنزلة من أراد، وحاول فثبت له ضعفه عما حاوله] [45] فهذا لا أميل إليه لأن المعجزات ظهرت للناس ومن الوهلة الأولى وهي خارجة عن طوقهم، وبعيدة عن مقدورهم، وإذا رجعت مثلاً إلى إحياء الموتى لسيدنا عيسى وإخراج الناقة لسيدنا صالح وشق البحر لسيدنا موسى تجد أن القوم لم يحاولوا ذلك ولم يدر بخلدهم أن يحاولوا.
والعجيب أننا وضعنا كل ذلك في دائرة المعجزات، مع أن الناس لم يفكروا في تحدي ذلك لعلمهم اليقين أنه ليس في مقدورهم.
ومن هنا أرى أن تسمية هذه الآيات معجزات يحتاج إلى مراجعة حيث لم تطلب الرسل من أقوامهم المجيء بمثلها، وعلى الجانب الآخر لم يحاول الناس المجيء بمثلها.
إنها آيات وليست معجزات، إنها براهين على صدق الأنبياء وحين أطلقنا على هذه الآيات معجزات وضعنا الناس موضع المتحدي مع أنهم لم يفعلوا.
أضف إلى ذلك أن هذه الكلمة لم ترد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالمعنى المفهوم به التحدي مما يعني أن لفظ (معجزة) نتاج عقلي فلسفي وليس نتاجاً شرعياً، لأن العلماء ربطوا بين آيات التحدي الخمسة وبين عدم مجيئهم بقرآن مثل القرآن، ولما لم يأتوا بذلك كان ذلك عجزاً منهم فسميت المسألة: الإعجاز القرآني.
وحين نربط بين القرآن الكريم والإعجاز نربط بين أشياء كثيرة وهذه اللفظة، فهناك ألفاظ وأساليب، ومعان، ونظم وترتيب ... كما أن هناك الغيب والعلم التجريبي، فهل الإعجاز في كل ذلك أما في شيء واحد؟
إن القرآن الكريم حمل وجهتين:
فهو من جهة برهان وآية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، تماماً مثل الآيات التي جاء بها الأنبياء.
ومن الجهة الأخرى: يتحدى الجميع بأن يأتوا بمثل هذه الآية، وتلك إضافة لم تكن في آيات الأنبياء السابقين.
والثابت ـ عندي ـ أن الآية والبرهان الدال على صدق النبي لا يمكن للعباد أن يأتوا بمثلها، لأن من بدهيات الآيات كونها خارجة عن طوق البشر ولو كانت في مقدورهم لما كانت آية خارقة، ولقد فطن الناس إلى هذا فلم يحاولوا.
ويبقي السؤال: ما الوجه الذي وجدوه في هذا القرآن وعلموا، أنهم عنه عاجزون فسكتوا رغم التحدي؟ ذاك ما يجيب عنه هذا البحث، وذاك لب الإعجاز وجوهره أو أن شئت قل: لب التحدي وجوهره وذاك معنى (من مثله) 0
ولكن ما الفرق بين وجه التحدي ووجه الإعجاز؟
إن هناك فرقاً كبيراً بين وجوه الإعجاز ووجه التحدي، ولعل أول من لفت النظر إلى هذه القضية هو ابن عطية حين قال: [وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه.
ووجه إعجازه أن الله قد أحاط بكل شيء علماً 0000’ وأحاط بالكلام كله علما فعلم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعني بعد المعني ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره.] [46]
ويقول شيخي محمود توفيق ـ أعزه الله ـ[علينا أن نفرق بين أمرين: مناط التحدي ومناط الإعجاز ...
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير