تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم يقول: أذهب إلى أن كل شيء في القرآن هو مناط إعجاز، وأن مناط التحدي هو نظمه ... أي صورة المعني وليس المعني نفسه، فالمعني القرآني نفسه معجز ولكنه ليس هو مناط التحدي.

والنظم القرآني معجز ومناط تحدٍ.] [47]

وسواء اتفقنا مع هذا أو اختلفنا معه إلا أن الإشارة إلى وجود مناط للإعجاز ومناط للتحدي أمر بالغ الأهمية، فعلماؤنا خلطوا بين الأمرين، وحدثونا عن الإعجاز وهم يقصدون التحدي تارة ولا يقصدونه أخرى، ولهذا تباين كلامهم، وتعددت اتجاهاتهم.

لا لشيء إلا لأنهم أدخلوا هذا في ذلك، وأصبح كل عالم يتناول ما في القرآن الكريم من قضايا – كل بحسب تخصصه – ولكنها جميعاً في عرفهم معجزة.

يقول شيخي ـ أعزه الله ـ: [إن هناك ثلاث جهات كلية تناولت قضية الإعجاز:

الأولي: جهة الكلام في العقيدة.

والثانية: جهة تأويل القرآن وعلومه.

والثالثة: جهة علماء البلاغة.

. أما علماء العقيدة فمعنيون بما يعرف بوجوه دلالته على صدق النبوة المحمدية ... فإذا ما تقرر من بيان علماء العقيدة إعجاز القرآن الكريم بأي وجه من وجوه الإعجاز فقد قاموا برسالتهم، فإذا امتد القول بهم إلى جهات إعجازه فنافلة.

فخطاب علماء العقيدة مرمي به إلى الكافرين.

أما علماء التأويل فكلامهم ينصب في باب وجوه الإعجاز، وتعديد هذه الوجوه وبيان منازلها وكلام هؤلاء مبني على تحقيقات علماء العقيدة ... ويكون مع من آمن بإعجاز القرآن الكريم ...

أما علماء البلاغة ... ففريضتهم النظر في جهة واحدة من جهات إعجاز القرآن الكريم: بلاغته وفصاحته.] [48]

وكلام شيخي ـ أعزه الله ـ يجعل الباحث في دلالة المثلية لا يخرج عن إطار البلاغة وكأنها آيات محكمات مما يجعلني أضع نفسي في إطار لا أخرج منه لأنني أدرس القرآن من جهة البلاغة.

ولكن: لم أضع نفسي في هذا القالب، وماذا سأضيفه للبحث إن كنت سأقيد نفسي بهذا القيد؟

إنني معنيٌ هنا بالكشف عن مراد كلمة (المثل) في قوله (من مثله) ليس من باب العقيدة، ولا من باب التأويل ولكن من باب البلاغة، فالبحث يتخذ من علم البلاغة ميداناً للنظر للوصول إلى مقصودهذه الكلمة وبعد الوصول إلى مقصودها يستطيع البحث أن يبني على هذا المراد عقيدة توضح مفهوم التحدي ومقصوده فالعفيدة لابد أن تكون مبنية على فهم صحيح للكلام والفهم الصحيح لاينشأ إلا من عند أهل اللغة وفي طليعتهم علماء البلاغة

ومن هنا نحن في صدد البحث عن دلالة (المثل) المتحى به وهل هو مثلية في البلاغة أم في غيرها؟

وأول ما يلفت النظر هنا أن العلماء لم يتفقوا على وجه واحد من الإعجاز ليكون هو مناط التحدي بل تعددت آراؤهم مع أنهم جميعا وهم يعرضون أوجه الإعجاز يستدلون بآيات المثلية 0

وإليك بعضا من ذلك:

اختلاف وجوه الإعجاز في تراث العلماء

تزخر مكتبة الإعجاز القرآني بآراء علمائنا في وجوه الإعجاز، ولا تكاد ترى عالماً ينفرد بوجه واحد ويقول: هذا هو وجه الإعجاز، وما عداه فلا، ذلك لأنهم جميعاً يرون الإعجاز في وجوه شتى وإن كان البعض يميل إلى رأي دون آخر.

وتتعدد أوجه الإعجاز في كتاب الله تعالى بتعدد جوانب النظر فيه، فكل آياته فيها إعجاز لفظي، وبياني ودلالي، وكل مجموعة من الآيات وكل سورة من السور طالت أما قصرت بما فيها من قواعد عقدية أو أوامر تعبدية، أو قيم أخلاقية أو ضوابط سلوكية، أو إشارات علمية، وكل شيء من أشياء هذا الكون الفسيح وما فيه من ظواهر وكائنات وكل تشريع وكل قصة وكل واقعة تاريخية وكل وسيلة تربوية وكل نبوءة مستقبلية كل ذلك يفيض بجلال الربوبية ويتميز عن كل صياغة إنسانية ويشهد للقرآن بالتفرد كما يشهد بعجز الإنسان عن أن يأتي بشيء من مثله) [49]

ولأجل كل هذا عقد العلماء في كتبهم فصولاً وعنونوها بـ (وجوه الإعجاز) مثل الباقلاني، والزركشي وقالوا: [لا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز واختلفوا في إعجازه] [50] فهذا قال بالصرفة، وهذا قال الإعجاز في حديثه عن الغيب، وهذا في إخباره عن قصص الأولين، وهذا في تأثيره على القلوب وذاك في كشفه لما في الضمائر، وآخر في غرابة الأسلوب والسلامة من العيوب لكن الغالبية منهم أعلت من شأن النظم وقالوا [إنه الذي عليه الجمهور والحذاق.] [51]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير