ومن هنا تعددت المؤلفات التي تتناول القرآن الكريم من وجهات أخرى مثل الفلك، والطب والهندسة، وعلوم النبات، وطبقات الأرض، إلى آخر ذلك ووصل الأمر إلى إنشاء المجامع العلمية، ودور البحث المتخصصة في الإعجاز العلمي وانتشر في شبكة المعلومات العديد، بل الذي لا حصر له من هذه المواقع التي تتحدث بهذا اللسان وتنطق هذه اللغة، لغة العلوم وتقدم العلوم التجريبية حتى وصل الأمر إلى إنشاء المجامع العلمية ودور البحث المتخصصة في الإعجاز العلمي فالعصر عصر العلوم التجريبية وليس عصر اللغة وظهرت بعض التفاسير المهتمة بالإعجاز العلمي مثل تفسير (المنتخب) وهو معنى بدلالة الآيات على نواميس الكون وأسراره العلمية.
-------
وعلى الجانب الآخر، وفي خضم هذا الجانب ـ المحمود عندي ـ ظهر ما يعارض هذا التوجه، بل ويجرحه في بعض الأحايين، ذلك لأن القرآن لا يقصد إلا إنقاذ الإنسانية العاثرة وهداية الثقلين إلى سعادة الدنيا والآخرة، فالقرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز بلاغي.
وعليه فلا يليق أن نتجاوز به حدودهما حتى وإن ذكر فيه شيء من الكونيات فهو لا يقصد مطلقاً أن يشرح حقيقة علمية في الفلك أو الكيمياء، ولا أن يحل مسألة حسابية أو معادلة جبرية، أو نظرية هندسية ولا أن يزيد في علم الطب باباً ولا في علم التشريع فصلاً، ولا أن يتحدث عن علم الحيوان .. إلى غير ذلك.
ولكن بعض الباحثين طاب لهم أن يتوسعوا في علوم القرآن ومعارفه فنظموا في سلكها ما بدا لهم من علوم الكون.
وهم في ذلك مخطئون ومسرفون وإن كانت نيتهم حسنة وشعورهم نبيلاً، ولكن النية والشعور مهما حسنا لا يسوغان أن يحكي الإنسان غير الواقع ويحمل كتاب الله ما ليس من وظيفته خصوصاً بعد أن أعلن كتاب الله عن نفسه هذه الوظيفة وحددها مرات كثيرة منها قوله تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه هدى للمتقين ِ) (البقرة: من الآية2)
ومما يجب التفطن له أن عظمة القرآن لا تتوقف على أن تنتحل له وظيفة جديدة ولا أن نحمله مهمة ما أنزل الله بها من سلطان فإن وظيفته في هداية العالم أسمي وظيفة في الوجود، ومهمته في إنقاذ الإنسانية أعلى مهمة في الحياة ....
إن القرآن حين يعرض لآية كونية .... يتحدث عنها حديث المحيط بعلوم الكون الخبير بأسرار السماوات والأرض الذي لا تخفي عليه خافية 0
إن هناك مؤلفات جمة تموج وتضطرب باستنباط علوم الكون من القرآن الكريم، ولقد تبين أن علوم الكون خاضعة لطبيعة الجزر والمد وأن أبحاثاً كثيرة منها لا تزال قلقة حائرة بين إثبات ونفي ... مما زعزع ثقتنا بما يسمونه العلم، وجعلنا لا نطمئن إلى كل ما قرروه باسم هذا العلم، فهل يليق أن نبقي مخدوعين مغرورين بعلمهم الذي اصطلحوا عليه، وتحاكموا إليه وقد سجنوه وسجنوا أنفسهم معه في سجن ضيق هو دائرة المادة، تلك الدائرة المسجونة هي أيضاً في حدود ما تفهم عقولهم وتصل تجاربهم، وقد تكون عقولهم خاطئة، وتجاربهم فاشلة.
ثم هل يليق بعد ذلك كله أن نحاكم القرآن الكريم إلى هذه العلوم المادية القلقة الحائرة، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية العلوية القارة الثابتة المتنزلة من أفق الحق الأعلى الذي يعلم السر وأخفي.
ألا إن القرآن لا يفر من وجه العلم ولكنه يهفو إلى العلم ويدعوا إليه ويقيم بناءه عليه فأثبتوا العلم أولاً ووفروا له الثقة وحققوه ثم اطلبوه في القرآن فإنكم لا شك يومئذ واجدوه.] [54]
وبعد هذا العرض لوجهتي النظر يحسن أن أسأل هنا:
ألا يعد الإعجاز العلمي أيسر الطرق لجذب عقول الغربيين إلى الإسلام؟
ألا يعد أفضل الوسائل لإقناع الماديين والملحدين والعلمانيين بعظمته وبخاصة في عصرنا الحاضر؟
وإذا كان علماؤنا قد استفرغوا جهدهم في العناية بالإعجاز البلاغي في وقت كان العلم فيه لغة، وكانت اللغة هي مدار العلوم أفلا يحق لأهل العلم الآن أن يستفرغوا جهدهم في إعجازه العلمي ويكون هو المنطلق والباعث وليس كما يقال: حققوا العلم ثم اطلبوه في القرآن فإنكم واجدوه؟
إنني لا أري عيباً في أن ننظر إلى القرآن الكريم على أنه معجزة علمية شريطة أن يتناول ذلك أهل الاختصاص.
¥