تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الإعجاز البلاغي والتحدي في البلاغة يتصادم مع وجود العالم والجاهل والعرب والعجم، والإنس والجن، وقيام المعجزة على طول الزمان والمكان.

لذا راحوا يضعون هذا عن عاتقهم ويحملون هذا الوجه البديل الذي لا مطعن فيه ولا خلاف عليه حتى قال الشيخ الغزالي ـ رحمه الله ـ[ما أظن امرءاً سليم الفكر والضمير يتلو القرآن أو يستمع إليه ثم يزعم أنه لم يتأثر به.] [57]

ولا يغرنك عدم تأثر أهل الإلحاد والشرك [فأثر القرآن مختلف حسب نوع المتلقي، وما لديه من استعدادات لاستقبال المؤثرات القرآنية أو موانع من أمراض القلوب المتنوعة، فأثر هذا القرآن ومظاهر هذا التأثير واضحة في الفريقين:

في المؤمنين: زيادة في الإيمان واستبشار في الوجوه

وفي المنافقين: زيادة في الرجس والشر والدنس وخاتمة

سيئة هي الموت على الكفر.] [58]

وإذا كنت أتفق في أثر القرآن على القلوب لكن هل المثلية المتحدى بها مثلية تأثير على الناس، بمعنى هل طلب منهم المجيء بكلام مؤثر في القلوب؟ إن أهل الشرك والإلحاد لا يزالون يجادلون ويقولون ولم لم نتأثر نحن فإن قلت إنه يزيدهم رجساً إلى رجسهم اتهموك بالهروب والمماطلة لأنهم يريدون التأثير بمعنى الهداية، وأري أن لهم وجهاً، ولذا أود أن نمضي إلى وجه آخر قد يكون محل اتفاق وهو:


ثالثاً: الإخبار عن الغيب
أغلب المتحدثين عن الإعجاز اهتموا بذكر هذا الوجه، وجعلوه في بعض الآراء الوجه الأهم، يقول البيهقي: [في القرآن وجهان من الإعجاز:
أحدهما: ما فيه من الخبر عن الغيب، وذلك في قوله عز وجل: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة: من الآية33) وقوله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (النور: من الآية55) وقوله في أول الروم (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (الروم: من الآية3) وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه، وبعد زمانه، ثم كان كما أخبر ... والآخر: ما فيه من الخبر عن قصص الأولين ... ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ كتاباً ولا يخطه، ولا يجالس أهل الكتاب للأخذ عنهم وحين زعم بعضهم أنه يعلمه بشر رد الله ذلك عليه فقال: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل: من الآية103). [59]

وفي كلتا الحالتين فالإعجاز إعجاز غيبي، فالخبر عن المستقبل غيب، والحديث عن السابقين غيب، وكأن البيهقي ـ رحمه الله ـ يحصر الإعجاز والتحدي في الغيب لكن هذا الوجه لم يسلم من النقض فضلاً عن النقد، حيث يقول شيخي محمود توفيق ـ حفظه الله ـ[إن القول بأن الإخبار بالغيوب هو وحده مناط للإعجاز، متعاند مع ما جاءت به آية التحدي في سورة هود (13) وهي قوله (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
فقوله (مفتريات) قاطع بأن مناط التحدي ليس ما تضمنه من معاني الحق سواء ما كان منها، من باب الإخبار بغيب مضى أو غيب قائم أو غيب قادم.] [60]
وأري أن الإخبار بالغيب وجه من وجوه الإعجاز الظاهرة التي يُستند إليها لكنها ـ كما قال شيخي ـ لا يكتفي بها [ولقد كان كفار مكة أحرص الناس على إبطال قوله صلى الله عليه وسلم مجتهدين بكل طريق يمكن، فتارة يذهبون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمور من الغيب حتى يسألوه عنها، كما سألوه عن قصة يوسف وأهل الكهف وذي القرنين ... ] [61]
وحين قالوا (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا) (لأنفال: من الآية31) كان تعريفهم له أنه (أساطير الأولين) فقالوا (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
والقرآن يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) (يوسف: من الآية3).
ولكن هناك أمر ينبغي الإشارة إليه وهو أن الغيب ليس مقصوراً على القصص أو التنبؤ بما سيكون
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير