تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنما كان بهذا يتنزل معهم ويمد لهم مجال الإمكان، ويوسعه لهم، وكأنه يقول: إذا كانت المعاني مما لا عهد لكم بها، ولا طاقة لكم عليها وليست من معادن معانيكم وقد بلغتم الغاية في إدارة اللغة على وجه معانيكم التي اخترعتم واختلفتم، وأنتم في هذا سابقون، وله مطيقون.

وهذا قاطع بأن الإعجاز بصحة المعاني، واطراد استقامتها وسدادها أظهر وأبهر.

ولكن عبد القاهر وقف عند البناء البياني لمعاني القرآن.] [78]

وإذا كان هذا هو رأي الإمام فإن المعاني عنده باب مستور،وجوهر مكنون ما زال يحيطه الغموض ولذلك قال: [وأعلم أن غرضي من الكلام الذي ابتدأته والأساس الذي وضعته أن أتوصل إلى بيان أمر المعاني كيف تختلف وتتفق؟ ومن أين تجتمع وتفترق؟ وأفصل أجناسها وأنواعها، وأتتبع خاصها ومشاعها، وأبين أحوالها في كرم منصبها من العقل، وتمكنها في نصابه، وقرب رحمها منه، أو بعدها عنه.] [79]

وكلام الإمام يثير في النفس سؤالاً، بل أسئلة، وهو الذي يتحدث عن أسرار بلاغة القرآن ودلائل إعجازه، فهو إذن يقصد إلى بيان معاني القرآن وعلاقاتها المتوافقة تارة، والمختلفة تارة أخرى.

فكثير من السور المكية ـ مثلاً ـ جاءت لترسخ أمور العقيدة، وذاك توافق في المعنى ولكن تلك السورة حملت من المعاني ما لا يمكن إدراجه تحت نوع واحد من الأهداف، ولا تحت باب واحد من المقاصد، فكل سورة تمثل شخصية مستقلة مختلفة عن غيرها.

ثم إن معاني القرآن الكريم تترابط بروابط ظاهرة مرة وخافية أخرى، وهذه الروابط لا تجعل هذا هذا، بل تجعل لكل معنى جنساً بارزاً متوافقاً مع سياقه ومقاومة.

كما أن السور القرآنية فيها معان خاصة لم ترد إلا فيها، كما اختصت سورة البقرة مثلاً بالحديث عن قصة البقرة، وقصة طالوت وجالوت وقصة إبراهيم حين سأل ربه كيف يحيي الموتى؟ كما اختصت بالحديث عن الديون.

وكذلك اختصت سورة النمل بالحديث عن النمل، وسورة الكهف بالحديث عن أهل الكهف.

هذه معان خاصة، وهناك معان مشاعة بين السور كما في قصة موسى مع قومه والحديث عن مشاهد القيامة، وبدأ الخلق، وعصيان إبليس ... الخ.

وهكذا يمكن فهم كلام الإمام، وهو كلام أحيط بضرب من الغموض جعل الشيخ أبا موسى –حفظه الله - يراجع دراسة البلاغة بجملتها ويقول بعد سرده: [وهذا من غوامض هذا الكتاب، ولم يتضح لي وجهة إلا على ضرب من المسامحة وذلك لأن الكتاب بُني على ما سماه الشيخ مقدمات، وليس في الكتاب ـ يعني أسرار البلاغة ـ إلا التشبيه والمجاز والكناية.

والشيخ يقول إنها مقدمات تُقدم، وأصول تُمهد، وكالأدوات لهذا الغرض حقها أن تجمع، وضروب من القول هي كالمسافات دون ـ أي دون عرض الكتاب ـ يجب أن يسار فيها بالفكر وتقطع.

وإذا كان كذلك، وهو كذلك بلا ريب فأين الغرض من علم البيان الذي نقول إن الشيخ هو الذي وضعه؟.

هل ضللنا الطريق؟

هل درسنا مقدمات العلم على أنها العلم؟

هل أنت معي في هذا الغموض أم أنني ضللت فهم كلام الشيخ وهو- فيما أراه - صريح مكشوف؟

ذكر عبد القاهر شيئاً كهذا في دلائل الإعجاز حين قال:

إن ها هنا أسراراً ودقائق لا يمكن معرفتها إلا بعد أن يُعَد جملة من القول في النظم، وفي تفسيره، والمراد به، وأي شيء هو؟ .... الخ

وهذا يعني أن القول في النظم مقدمة للمقصود، وأن دراسة الأسرار والدقائق هي المقصود.] [80]


هل يجعلنا هذا الكلام نراجع هذا الكم الهائل من كتب الإعجاز لننظر إلى القرآن الكريم من جديد.؟
إن ما أفهمه أنا، من كلام الإمام أن البلاغة والنظم والألفاظ والمعاني، كل ذلك دلائل على الإعجاز، وليست هي الإعجاز، كلها مقدمات للتحدي وليست هي موطن التحدي.
إن الأصل في اللغة وفي أجناسها من (شعر وخطابة ورسالة وقصة ... الخ) وكل كلام هو استنباط المعنى أو تصوير المعنى، وليست فنون البلاغة إلا أحوالاً لغوية تقتضيها هذه المعاني وتتطلب وقوعها على وجه دون وجه فالمعاني صاحبة السلطان على كل فنون البلاغة، هي الملك في عالم النص وحين ترسل لا تكتسب إلا بما يليق بها.
وإنما يروم المتكلم المعاني، فإذا انبجست له من ينبوعها وجد اللغة بين يديه، وقد نشرت بزها حواليه 0
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير