تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قال بالصرفة بعد أن أعياه الوقوع على الضوابط الدقيقة التي يضبط بها وجه الإعجاز، فذلك أمر إن أعجز الجاحظ فقد أعجز الإنس والجن جميعاً فلو أن سر الإعجاز قد انكشف- وهيهات ـ لعرفه الناس،

ومن ثم لم يعد بعيداً عن متناول أيديهم وكان في مستطاعهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن] [90]

إن إعجاز القرآن في نظهرهم [شيء] كالنغم يسري إلى النفس ويستقر في أعماقها دون أن تكون لدينا القدرة على تحديده وإيضاحه] [91]

[فكل ما ندركه بعقولنا ففي غالب الأمر نتمكن من التعبير عنه،والإعجاز ليس كذلك،لأنا نعلم قطعاً من كلام الله انه بحيث لا يمكن للبشر معارضته والإتيان بمثله، ولا يماثله شيء من كلام فصحاء العرب مع أن كلماته كلمات كلامهم وكذا هيئات تراكيبه.

كم أنا نجد كلاماً نعلم قطعاً أنه مستقيم الوزن دون آخر لكن فيه شيء نسميه الملاحة ولا نعرف ما هو] [92]


وهكذا فالإعجاز ندركه ولا نحسه، والبلاغة شيء كالنغم لا نحدده، فهي سر من الأسرار ولا يمكن لأحد بحسب هذا الكلام أن يدرك هذا الإدراك إلا إذا اشتعل بعلم المعاني والبيان.
وهذا ما أراه يناقض طبيعة التحدي،إذا لا بد من معرفة وجه التحدي وطبيعته.
أما أن أحيل على أمور تدرك ولا توصف، وأشياء لا يمكن ضبطها ولا تعليلها، أشياء كالنغم تسري إلى النفوس وتستقر في الأعماق وليس لدينا قدرة على تحديدها ولا نعرف علتها فهذا أعجب العجب.
أقول: إن الحديث عن الإعجاز البلاغي حديث جميل،ولقد أخذناه دون إطالة نظر ولقد ظهر بجلاء أن العلماء لم يتفقوا على المراد من الإعجاز البلاغي فجعلوه مرة في حروف القرآن ومرة في الألفاظ، وثالثة في المعاني، ورابعة في كل ذلك، وخامسة في توالي هذه الفصاحة وتتابعها واستمرارها.
ثم قيل في النهاية إنها سر من الأسرار وأمور تستقر في الأعماق فتدرك ولا توصف، وهذا مما لاأتفق معه ولا أراه ناصحاٍ للقرآن في عصرنا الحاضر.
أقول أيضاً: إن إرجاع التحدي إلى البلاغة إرجاع إلى لغة القرآن، وليس إلى القرآن 0
إن إرجاع التحدي إلى البلاغة إرجاع إلى شيء يختلف فيه الناس فمنهم العرب والعجم ومنهج الفصيح وغيره،ومنهم العالم وغيره فأي بلاغة نقصد؟، وأي قوم من هؤلاء يتحداهم القرآن ببلاغته؟
وفي أي زمان؟ هل في زمان كانت العربية فيه سليقة؟ أم في زماننا الذي باتت العربية فيه تبحث عن لسان ينطق بها وعقل يفهمها؟

خلاصة القول
إن الذي لا أشك فيه الآن أن المشركين الأوائل فقهوا المقصود من التحدي فسكتوا، وجهل المشركون الجدد المقصود فاقتحموا ..
لقد علم المشركون الأوائل أن المقصود من قوله (فأتوا بسورة من مثله) (وبعشر سور) أو (بحديث مثله) يعني (إيتوا بالقرآن الكريم) 0
ومن هنا عجزوا ووقفوا،وألقموا الحجر فمن منهم سيقول قرآناً.
أعنى من منهم سيقول كلاماً ثم يدعى أنه من عند الله .. ؟
إن العرب الفصحاء لو طلب منهم أن يقولوا كلاماً ـ أي كلام ـ مهما كان بليغاً لحاولوا حتى وإن لم يستطيعوا، لكنهم لن يكفوا عن المحاولة.
هذا إذا طلب منهم أن يأتوا بكلام فصيح بليغ منظوم على هيئة خاصة، هذا أمر تراه حتى في صغار الناشئة حيث يحاولون النظم على غرار معلقة أمرئ القيس أو عنتره، وأنت تعرف الفرق بين كلامهم والمعلقات ولكنهم يحاولون.
لكن العرب وهم من هم سكتوا وأمسكوا.
إذن التحدي لم يكن أن يأتوا بكلام فصيح بليغ ـ بل لم يخطر على بال أحدهم أن يعارض القرآن لا لشيء إلا لعلمهم أنهم مهما قلوا فلن يقبل منهم.
لماذا؟
لأنهم سيقولون كلاماً من عند أنفسهم وليس من عند الله ولذلك حملت كتب التراث محاولات مسيلمة، ومسيلمة لم يعارض القرآن إنما ادعى النبوة وكان يقول [أوحي إلى بكذا] 0
وانظر إلى هذا:
[كتب مسيلمة ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً قال فيه:
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد: فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك.
فإجابه: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد:
فإن الأرض لله يورثها من يشاء و العاقبة للمتقين) [93]
فمسيلمة سمى نفسه رسول الله وعليه حين يعارض القرآن يعارضه من منطلق أنه وحي، وأنه من عند الله، وليس من باب أنه كلام بليغ ...
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير