نقول: لقد نبّهتم إلى قضية ما زال الخلاف فيها قائماً بين العلماء، فمنهم من اقتصر التحدّي على العرب، ومنهم من ذهب إلى القول بأن التحدّي إنما كان للناس جميعاً، عرباً وعجماً.
وأنا أميل إلى ما ذهب إليه فضيلة الدكتور فضل عباس في كتابه القيم (إتقان البرهان في علوم القرآن). فقد قسم فضيلته التحدّي إلى ثلاثة مراحل: المرحلة المكية، وهي التي جاء فيها التحدّي للعرب على الخصوص في السور المكية الثلاثة (الطور وهود ويونس)، والمرحلة المدنية المتمثّلة بآية سورة (البقرة).
ثم بعد هذه التفرقة يقول حفظه الله: "إن المراحل الثلاث الأولى خوطب بها العرب، لأنهم هم المتحدّون في هذه السور الثلاث، أما المرحلة الرابعة فقد خوطب بها الناس جميعاً، يدلّ لذلك سياق الآيات "يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلّكم تتّقون .. الآيات ". ثم بيّن أن المراحل الثلاث الأولى مختلفة من حيث الأسلوب عن المرحلة الرابعة، كما يلي:
المرحلة الأولى "فليأتوا بحديث مثله"، والثانية "قل فأتوا بعشر سور مثله"، والثالثة "فأتوا بسورة مثله". أما المرحلة الرابعة فجاء الألوب فيها "فأتوا بسورة من مثله". فكلمة "من" لم تُذكر إلا في المرحلة الرابعة. هناك اختلاف إذن بين المراحل الثلاث والمرحلة الرابعة من حيث التنزّل، ومن حيث السياق، ومن حيث الأسلوب. ولهذه الفروق دلالتها في تعيين أو ترجيح أحد القولين السابقين في بيان وجوه الإعجاز.
فإذا كان التحدّي في المراحل الثلاث المخاطب به العرب، والعرب كان البيان بضاعتهم والبلاغة سجيتهم، فإن المرحلة الرابعة المخاطب بها الناس جميعاً عربهم وعجمهم. وإذا كانت المراحل الأولى خالية من كلمة "من"، فلقد جاءت المرحلة الرابعة مشتملة على هذا الحرف الدال على التبعيض. ومعنى هذا أن المرحلة الأخيرة كان التحدّي فيها للناس جميعاً، ولا يعقل أن يتحدّى الناس جميعاً بالبيان وحده، وإنما هو تحدّ عام عموم المخاطبين به."
ثم يقرّر فضيلته بعد هذه الدراسة "أن وجوه الإعجاز متعدّدة، وأن القرآن معجز من حيث بيانه، ومن حيث تشريعه، ومن حيث ما فيه من حقائق علمية وكونية، ومن حيث ما فيه من أخبار غيبية إلى ما هنالك من وجوه أخر." (إتقان البرهان في علوم القرآن لفضيلة الدكتور فضل عباس، ص111 - 113).
وعلى هذا، فإن القرآن تحدّى العرب في زمانهم على أن يأتوا بمثل بيانه المعجز. فدعوة مشركي قريش إلى المعارضة كانت قائمة. ولكنهم عجزوا! ولماذا عجزوا؟ ليس لأن القرآن من عنده سبحانه وتعالى فحسب – فهذا أمر مسلّم به أصلاً – ولكن لأنهم لم يقدروا على أن يأتوا بسورة مثله، ولا بعشر سور مثله مفتريات. وما زال التحدّي قائماً يدعو من استطاع إلى الإتيان "بسورة من مثله" في البيان، أو في العلوم المكنونة في هذا الكتاب الحكيم.
وأخيراً أرجو أن لا أكون قد أطلت في الموضوع بغير فائدة ترتضى لنا جميعاً ..
فالهدف الأول من مداخلتي التعلم من أمثالكم .. فبارك الله فيكم على جهودكم ..
ـ[د/ سعيد جمعة]ــــــــ[16 May 2005, 01:45 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر للدكتور جمال أبي حسان ملاحظاته التي أفدت منها ولا حاجة للعذر فنحن جميعا نبتغي وجه الله تعالى فيما نكتب وفيما نقول، ومادام وجه الله تعالى هو غايتنا فالدين النصيحة.
حديثكم يافضيلة الدكتور عن الاضطراب لا محل له وذلك لأن الوجوه التي قلت بأنها لا تشفي الغلة مخصوصة بدلالة كلمة (المثل) المتحدى بها في القرآن، ولم أعثر على شيء من ذلك إلا إشارتين إحداهما تتحدث عن مرجع الضمير في قوله " من مثله " والأخرى تتحدث عن بلاغة النظم في هذه الآيات ولقد أثبت ذلك في الهوامش
أما عدم إنكاري للوجوه في آخر البحث فكان في شأن وجوه الإعجاز ولقد ذكرت اكثر من مرة ان كل مافي القرآن معجز ولا إنكار لوجه من هذه الوجوه
وعليه فلا مجال للاضطراب.
ثانياً:نعم قلت إن آيات التحدي تمثل لب الإعجاز لأن علماءنا تناولوها في حديثهم عن التحدي لكن الواقع أن هناك فرق بينهما بينته كثيرا في بحثي.
ولا أظن أن القارئ لم يصل إلى مرادي فمرادي من البحث هو الوصول إلى معنى (المثلية) المتحدى بها
ونتيجة البحث أن المثلية تعني (من عند الله) وهذا واضح، كما أرى.
¥