تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو تيمية]ــــــــ[16 May 2005, 06:06 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرًا طيبًا مبَاركًا فيه، و الصلاةُ و السَّلامُ الأتمان الأكملانِ على نبينا محمَّد و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فلقد قرأت بحث الدكتور الفاضل سعيد جمعة حول تفسيره للمثلية المتحدى بها في آيات الكتاب كقوله تعالى ? فأتوا بسورة من مثله .. ?، و تبين لي بأدنى نظر أن نتيجته بعيدة عن الحق، مجانبة للصواب، و أن المقدمات التي بنى عليها منها ما هو حق و منها ما هو باطل، و سأبين في مقالي هذا فساد ما ذهب إليه، رغم أني شديد الانشغال في هذه الأيام، و ليس لي من الوقت ما أحرر فيه ما أريد بيانه، و لهذا سأتجاوز المسائل الجزئية التي أرى أن الباحث قد أخطأ فيها، و أدخل إلى صلب الموضوع، فأقول – مستعينا بالله وحده -:

إن المثْل و المثليَّة و الممَاثلة ألفاظٌ يكثُرُ ورودها في كتب الفقه و العقيدة و التفسير و شروح كتب الحديث، و في علم الرواية منها، و في غيرها؛ فتجدها في كتب الفقه في بيان معنى المثلية في الربويات و في القصاص و جزاء الصيد و في مهر المثل و أجرة المثل و في غيرها، و تجدها في كتب العقيدة في مبحث نفي التمثيل و نفي مماثلة المخلوقين: عن الله و عن صفاته، و في كتب التفسير في آيات عدة – منها ما نحن بصدده – و في شروح كتب الحديث بيانًا لما أُسنِد فيها من أقوال النبي ×، كمثل قوله ×: ((من سمع المؤذن فقال مثلَ ما يقول .. ) و كقوله ×: ((الذهب بالذهب .. مثلا بمثل .. ) و في كتب علم الرواية في مبحث قول الراوي عن متن الحديث: ((مثله)) أو ((نحوه)) (1) - إذا ساق السند دون المتن -، إلى آخر تلكم الكتب، ولو أردت أن أسوق عباراتهم في هذا لجاءت في مجلدٍ فأكثر، و في وسع كل أحدٍ أن يقف عليها بلا عناء و لا مشقة.

و يمكن تلخيصُ ما جاء فيها، فأقول:

المثل في لغة العرب يطلق على معانٍ، أصلها: التسوية و المناظرة بين الشيئين.

فيطلق على التسوية في الذوات.

أو على التسوية في الصفات.

أو التسوية في المقدار (2).

كما أنها تأتي مقيدة باللفظ، فيقال: مثله في كذا و كذا.

و بعضُ أهل العلم يعبِّر بتعبير آخر، فيقسمها إلى مماثلة في الصورة، و أخرى في المعنى أو في الصورة و المعنى و بعضهم يعبر بالخلقة و الصورة، أو في الصفات و الأخلاق، و بعضهم بغير هذا.

قال ابن فارس)):مثل، الميم و الثاء و اللام أصلٌ صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء، و هذا مثل هذا، و المِثل و المثال في معنى واحد، و ربما قالوا: مثيل كشبيه)) (معجم مقاييس اللغة 5/ 296).

و قال أيضا: ((المِثْل: النظير)) (مجمل اللغة 4/ 309 - ط معهد المخطوطات).

فقوله رحمه الله: ((و المِثل و المثال في معنى واحد)) يدل على استعمال المثل في معنى المقدار.

قال في القاموس: (و المثال: المقدار).

قال في شرحه: ((و المثال – بالكسر: المقدار، و هو من الشِّبه و المِثل: ما جُعلَ مثالا، أي: مقدارا لغيره يحذى عليه، والجمع أمثلة و مثل)) (التاج للزبيدي 30/ 382).

و في التعاريف ص 636 للمناوي قال: ((المثال: مقابلة شيء بشيء وهو نظيره أو وضع شيء ما ليحتذى فيه بما يفعل))، ثم ذكر المثل في الشيئين المتفقين جنسا و أنه ما سد مسده، و ما كان مختلف الجنس فهو ما كان فيه معنى يقرب به من غيره.

و هكذا كان رأي معجم المجمع اللغوي المصري في ((المعجم الوسيط)) (2/ 860).

و قد فرق بعضهم بين المثل و المثال، فقال: ((المثل هو المشارك في جميع الأوصاف و المثال هو المشارك في أحد الأوصاف سواء كان مشاركا في جميع الأوصاف أو لا)). (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 3/ 208 - 209 للأحمد نكري).

و كثيرا ما يسوون في التفسير بين المثيل و الكفء و النظير و العدل و الند؛ بل و الشبيه، و هي كذلك معانيها متقاربة جدا، والفروق بينها يسيرة جدا، و قد عددها العلامة أبو هلالٍ العسكري في كتابه النافع ((الفروق)) (ص 257 - 260)، و مما قاله ص 259: ((وليس في الكلام شيء يصلح في المماثلة إلا الكاف و المثل، فأما الشبه والنظير فهما من جنس المثل)).

و قال ص 260: ((و الفرق بين كاف التشبيه و بين المِثل، أن الشيء يشبَّه بالشيء من وجه واحد لا يكون مثله في الحقيقة إلا إذا أشبهه من جميع الوجوه لذاته، فكأن الله تعالى لما قال ? ليس كمثله شيء ? أفاد أنه لا شبه له و لا مثل .. )).

و صنيعُ الأئمة في هذا = المرادُ منه تقريبُ المعنى و محاولة تصويره في ذهن القارئ، و هكذا صنيعهم في مفردات معاجم و قواميس اللغة.

و للعلم فإن تفسير المثل – بفتح الثاء – بمعنى: صفة الشيء، قد رده المبرد في المقتضب 3/ 225 و خطَّأ قائله، و كذلك فعل أبو علي الفارسي فإنه قال: ((تفسير المثَل بالصفة غير معروف في كلام العرب؛ إنما معناها التمثيل)) (التاج 30/ 382)، و المسالة محل اختلاف.

.............................

الهوامش:

(1): قال أبو عبد الله الحاكم في الرسالة البغدادية: " إن مما يلزم الحديثي من الضبط و الإتقان إذا ذكر حديثا و ساق المتن ثم أعقبه بإسناد آخر أن يفرق بين أن يقول: مثله أو نحوه، فإنه لا يحل له أن يقول: مثله إلا بعد أن يقف على المتنين و الحديث جميعا فيعلم أنهما على لفظ واحد، فإذا لم يميز ذلك حل له أن يقول: نحوه، فإنه إذا قال: نحوه فقد بين أنه مثل معانيه .. " نقله الزبيدي في التاج من نسخة لديه من كتاب الحاكم (30/ 380)، و في الفتح شرح لهذا الفرق في مواضع منه.

(2) انظر شرح العمدة 3/ 285 و 302 و مجموع الفتاوى 2/ 384 و 3/ 166 لابن تيمية و سيأتي الإحالة إلى غيرها في تضاعيف البحث.

يتبع .............

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير