ـ[أبو تيمية]ــــــــ[16 May 2005, 06:17 ص]ـ
تفسير آيات التحدي
قبل بيان الأغلاط التي وقعت في بحث أخينا الفاضل الدكتور سعيد جمعة يحسن بي أن أبين في هذا المبحث معاني آيات التحدي مقتصرًا على ما فسَّر به إمامُ المفسرين محمد بن جرير رحمه الله في كتابه العظيم (جامع البيان) تلكم الآيات الكريمة، ثم أتبعه بما يؤيِّده من كلام الإمامين الجليلين ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله، و اخترتهما دون غيرهما لما تضمنه كلامهما من الزيادات المهمة فيما نحن بصدد بيانه، بل الجواب المفصَّل عن كل شبهة أثيرت في مسألتنا هذه، فإليكم تفسيرها – على حسب ترتيبها في المصحف الإمام:
1 - ففي قوله تعالى ?و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ?
قال ابن جرير: ((و هذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه محمد × على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله - جل ثناؤه - ?إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ? وإياهم يخاطب بهذه الآيات وأخبر بأهم نعوتها قال الله جل ثناؤه ? وإن كنتم ? أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين في شك وهو الريب مما نزلنا على عبدنا محمد × من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي وأني الذي أنزلته إليه فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما يقول فأتوا بحجة تدفع حجته لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق ومن حجة محمد × على صدقه وبرهانه على نبوته وأن ما جاء به من عندي عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله.
وإذا عجزتم عن ذلك - وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والدراية - = فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز.
كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه وحجته على نبوته من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي = فيتقرر حينئذ عندكم أنَّ محمدا لم يتقوله ولم يختلقه؛ لأن ذلك لو كان منه اختلافا وتقولا لم يعجزوا وجميع خلقه عن الإتيان بمثله؛ لأن محمدا × لم يعد أن يكون بشرا مثلكم وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه ... )).
و قال: ((فإن قال قائل: إنك ذكرت أن الله عنى بقوله ?فأتوا بسورة من مثله ? من مثل هذا القرآن،فهل للقرآن من مثل؟ فيقال: ائتوا بسورة من مثله، قيل: إنه لم يعن به ائتوا بسورة من مثله في التأليف والمعاني التي باين بها سائر الكلام غيره؛ وإنما عنى ائتوا بسورة من مثله في البيان؛ لأن القرآن أنزله الله بلسان عربي، فكلام العرب لا شك له مثل في معنى العربية، فأما في المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبيه.
وإنما احتج الله - جل ثناؤه - عليهم لنبيه × بما احتج به له عليهم من القرآن إذ ظهر عجز القوم عن أن يأتوا بسورة من مثله في البيان إذ كان القرآن بيانا مثل بيانهم وكلاما نزل بلسانهم فقال لهم - جل ثناؤه – ? وإن كنتم في ريب ? من أن ما أنزلت على عبدي من القرآن من عندي فأتوا بسورة من كلامكم الذي هو مثله في العربية إذ كنتم عربا وهو بيان نظير بيانكم وكلام شبيه كلامكم
فلم يكلفهم جل ثناؤه أن يأتوا بسورة من غير اللسان الذي هو نظير اللسان الذي نزل به القرآن فيقدروا أن يقولوا: كلفتنا ما لو أحسناه أتينا به؛ وإنا لا نقدر على الإتيان به؛ لأنا لسنا من أهل اللسان الذي كلفتنا الإتيان به، فليس لك علينا حجة بهذا؛ لأنا وإن عجزنا عن أن نأتي بمثله من غير ألسنتنا؛ لأنا لسنا بأهله = ففي الناس خلقٌ كثير من غير أهل لساننا يقدرُ على أن يأتي بمثله من اللسان الذي كلفتنا الإتيان به.
ولكنه جل ثناؤه قال لهم ?ائتوا بسورة مثله ? لأن مثله من الألسن ألسنتكم، وأنتم: إن كان محمد اختلقه وافتراه - إذا اجتمعتم وتظاهرتم على الإتيان بمثل سورة منه من لسانكم وبيانكم - = أقدرُ على اختلاقه ووضعه وتأليفه من محمد ×.
¥