تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و لهذا لما أراد شيخ الإسلام كتابة العقيدة لأهل واسط توخى فيها أن لا يذكر فيها إلا ما كان من ألفاظ الكتاب و السنة، فنفى التمثيل و لم يتطرق إلى التشبيه، و قال في المناظر ة المشهورة التي عقدت له لأجل ((الواسطية)): ((وقلت له أيضا: ذكرت في النفي التمثيل، و لم أذكر التشبيه؛ لأن التمثيل نفاه الله بنص كتابه حيث قال? ليس كمثله شيء? وقال ?هل تعلم له سميا ?وكان أحب إلي من لفظ ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله، وإن كان قد يعنى بنفيه معنى صحيحًا، كما قد يعنى به معنى فاسدًا)) المجموع 3/ 166.

و قال رحمه الله في معرض رده على من نفى الصفات الثابتة لله بدعوى لزوم التشبيه: (والتشبيه الممتنع على الله أن يشارك المخلوقات في شيء من خصائصها، و إن يكون مماثلا لها في شيء من صفاته) (المجموع 6/ 122).

و قال رحمه الله في بيان بديعٍ لهذه المسألة، و أن التشبيه لفظٌ فيه إجمال، كما قال غيره عن لفظ المثل: إن فيه إجمالا: (وسبب هذا الضلال أن لفظ ((التشبيه)) و ((التركيب)) لفظ فيه إجمال، وهؤلاء أنفسهم - هم وجماهير العقلاء - يعلمون أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، ونفي ذلك القدر المشترك ليس هو نفس التمثيل، والتشبيه الذي قام الدليل العقلي والسمعي على نفيه،وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى إذ هو سبحانه: ? ليس كمثله شيء ? [الشورى: 11] ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

ولهذا اتفق جميع طوائف المسلمين وغيرهم على الرد على هؤلاء الملاحدة، وبيان أنه ليس كل ما اتفق شيئان في شيء من الأشياء يجب أن يكون أحدهما مثلا للآخر، ولا يجوز أن ينفى عن الخالق سبحانه كل ما يكون فيه موافقة لغيره في معنى ما؛ فإنه يلزمه عدمه بالكلية، كما فعله هؤلاء الملاحدة، بل يلزم نفي وجوده ونفي عدمه وهو غاية التناقض والإلحاد والكفر والجهل) (الدرء 3/ 67).

و قال: (والمشابهة من وجه لا تقتضي المماثلة في الذات والصفات والمقدار) الدرء 10/ 108.

و قال في الصفدية 1/ 99 - 102: (والمقصود هنا التنبيه على مجامع الأقوال ومنشأ الضلال حيث أخذوا لفظ التشبيه بمعنًى مشترك مجمل، فأرادوا نفيه بكل معنى من المعاني ومن المعلوم أنه ما من موجودين إلا و بينهما قدر يتفقان فيه، و إن كان المعنى الكلي المشترك وجوده في الأذهان لا في الأعيان فلا بد أن يكون بين أفراد الاسم العام الكلي نوع من المشابهة باعتبار اتفاقهما في ذلك المعنى العام، و هذا موضع غلط فيه كثير من الناس في أحكام الأمور الكلية التي تشتبه فيها أعيانها ... ) إلى قوله: (فيقال لهؤلاء: التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق، أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق، فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله، و كذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه، بل يمتنع أن يشترك مخلوقان في شيء موجود في الخارج، بل كل موجود في الخارج فإنه مختص بذاته وصفاته القائمة به، لا يشاركه غيره فيها ألبتة .... )، و فيها: (و ليس مطلق الموافقة في بعض الأسماء والصفات الموجبة نوعا من المشابهة = تكون مقتضية للتماثل والتكافؤ، بل ذلك لازم لكل موجودين، فإنهما لا بد أن يتفقا في بعض الأسماء والصفات، و يشتبها من هذا الوجه، فمن نفى ما لا بد منه = كان معطلا، ومن جعل شيئا من صفات الله مماثلا لشيء من صفات المخلوقين = كان ممثلا، والحق هو نفي التمثيل ونفي التعطيل، فلا بد من إثبات صفات الكمال المستلزمة نفى التعطيل ولا بد من إثبات اختصاصه بما له على وجه ينفي التمثيل.

ولكن طائفة من الناس يجعلون التمثيل والتشبيه واحدا ويقولون: يمتنع أن يكون الشيء يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه، بل عندهم كل مختلفين كالسواد والبياض فإنهما لم يشتبها من وجه، وكل مشتبهين كالأجسام عندهم يقولون بتماثلها، فإنها مماثلة عندهم من كل وجه لا اختلاف بينهما إلا في أمور عارضة لها.

... وأما جمهور الناس فيقولون: إن الشيء قد يشبه غيره من وجه دون وجه، وهذا القول هو المنقول عن السلف والأئمة .. ) إلى آخر كلامه و هو نفيس يحسن الوقوف عليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير