{أيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء: 78].
ويصور القرآن الكريم حالة نزع روح الكافر تصويرا تشهده ملائكة العذاب وهي تتوعدهم: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93].
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6].
ج ـ: الأمر
? وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ? [يونس: 37]
إنه نفي جازم من الله، من الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؛ فالذي يتابع التناسق الغريب بين السنن القرآنية والتي هي أساس الوجود ليندهش أمام هذا التطابق الهائل لكل سنة على حدة! فكيف بالسنن حين تتداخل وتتشابك؟! فإن سنن الله تتضافر وتتآزر مع العلم بأن من سنن الله السنن الكلية والسنن الجزئية، ولا تختلف باختلاف الكتب إلا ما حرف منها، فأنى لها أن تختلف في كتاب واحد؟
ما راعى الذين تكلموا عن الإعجاز هذا النفي فتناولوا أقوال مسيلمة وسجاح وغيرهما بالنقد والتجريح. وبعد نفي إمكانية الافتراء يأتي التحدي سافرا لا لبس فيه ولا غموض يكتنفه:
? إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [23] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [24] ? [البقرة].
وكل عناية بكل ما قيل بانها أقوال جاءت لتعارض القرآن فهو ضمنا تكذيب لهذا الجزم الرباني، وهو كفر صريح عندنا فيه من الله برهان.
والخلق والأمرأمران من اختصاص الحق سبحانه وتعالى فلا ينازعه فيهما منازع؛ إذ شمل تحديين إن على مستوى التشريع، وإن على مستوى الروح، والتي هي جوهر إعجاز القرآن: {?أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ?} [الأعراف: 54].
د ـ روح القرآن:
يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
فسِرُّ تحدي القرآن هو روحه، وهو ما لم يلتفت إليه المتكلمون عن الإعجاز بالمرة.
هـ ـ التحدي التشريعي:
جاء كتاب الله مهيمنا على ما قبله من الكتب، بما جاء به من هداية سبيلا اصطفاها الله دستورا للبشرية إلى أن يأخذ الأرض ومن عليها.
والمسلمون في زمن الانبهار العلمي بما أنجزته يد الغربيين استداروا وجهتهم عن كتاب ربهم الذي مكن أجدادهم من حياة العزة والسؤدد قرونا متطاولة، وأقبلوا إقبالا على المدارس الغربية ومناهجها في التعليم والتعلم. فذلوا وأذلوا وراوحوا مكانهم في العالم الثالث حيث عشش الفقر وهيمن الظلم وطغى الاستبداد وركب التبعية. فصاروا أذنابا تابعين بعد أن كان أجدادهم سادة متبوعين.
وعوض أن يرفع العلماء لواء التحدي عاليا لنصرة دين الله وإعلاء كلمته، -وهي العالية بإذن ربها-، استجابوا لدواعي الظروف الاجتماعية القاهرة وأخلدوا إلى المناصب والكراسي وانشطروا قسمين:
¥