تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فعندما يأتي القرآن معرفاً فإنه يأخذ المعنى نفسه، أما إذا جاء منكراً فيمكن أن يعني جزءاً منه. فالقرآن الحكيم هو القرآن العظيم نفسه وهو الذي أنزل في رمضان. وليست عبارة (قرآن مجيد) هي بالضرورة (القرآن العظيم). ولكنها من جنسه وتعني جزءاً منه، لا كله. وقد جاء الدليل على أن القرآن كله متشابه وأنه هو الحق في سورة يونس في قوله (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون) (يونس 36) (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) (يونس 37) (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) (يونس 38) (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) (يونس 39).

وها هنا نلاحظ أن سياق الآيات يتكلم عن القرآن وأنه احتوى على معلومات لم يحيطوا بها وأنه لم يأت تأويله بعد. ونلاحظ أيضاً ما جاء في الآية 7 آل عمران أن التأويل هو للمتشابه فقط.

أما إذا نظرنا إلى محتويات القرآن فنرى أنه يتألف من موضوعين رئيسيين وهما:

1 - الجزء الثابت: (قرآن مجيد * في لوح محفوظ) (البروج 21 - 22) وهذا الجزء هو القوانين العامة الناظمة للوجود كله ابتداء من خلق الكون (الانفجار الكوني الأول، وفيه قوانين التطور "الموت حق" وتغير الصيرورة "التسبيح" حتى الساعة ونفخة الصور والبعث والجنة والنار. وهذا الجزء لا يتغير من أجل أحد وهو ليس مناط الدعاء الإنساني، وإن دعا كل أهل الأرض والأنبياء لتغييره فلا يتغير، وهذا الجزء العام هو الذي تنطبق عليه عبارة (لا مبدل لكلماته) (الكهف 27).

فكلمات الله هي عين الموجودات أي الأشياء (قوله الحق) (الأنعام 73). وفي اللوح المحفوظ يوجد القانون العام الصارم لهذا الوجود، ولا تبديل لهذا القانون من أجل أحد. أما التشابه في هذا الجزء فهو منسوب إلى الفلسفة وهي أم العلوم، أي معرفة الإنسان بالقوانين العامة الناظمة للوجود.

2 - الجزء المتغير من القرآن: وهذا الجزء عبر عنه بأنه مأخوذ من أمام مبين في قوله (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12).

فالإمام المبين يحتوي على شقين:

أ - أحداث وقوانين الطبيعة الجزئية: مثل تصريف الرياح واختلاف الألوان وهبة الذكور والإناث والزلازل والطوفان وهي قابلة للتصريف، وغير مكتوبة سلفاً على أي إنسان وغير قديمة. فمثلاً القانون العام في اللوح المحفوظ يقول: إن "الموت حق"، ولكن الأحداث الجزئية في الطبيعة يمكن أن تسمح بوجود ظواهر تطيل الأعمار وظواهر تقصرها. فالتصريف هو بطول العمر وقصره، وليس بإلغاء الموت. فأحداث الطبيعة الجزئية أطلق عليها مصطلح آيات الله (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) (الروم 22) (تلك آيات الله) (الجاثية 6). فآيات الله تختص بظواهر الطبيعة وقد جاءت في الكتاب في مصطلح "كتاب مبين" في قوله (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام 59) وهذه الأحداث ليست مبرمجة سلفاً وليست قديمة.

وعندما عطف عبارة (كتاب مبين) على القرآن في أول سورة النمل عطف خاصاً على عام. لنرجع إلى الآية 75 التي تقول: (وما من غائبةٍ في السماء والأرض إلا في كتاب مبين). فعندما يورد لفظ "كتاب مبين" في القرآن يتكلم فيه عن جزئيات ظواهر الطبيعة، كالحرية الكيميائية (ولا رطب ولا يابس) والموقع (ولا حبةٍ في ظلمات الأرض) والحركة الميكانيكية (وما تسقط من ورقة إلا يعملها).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير