تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا الجزء الذي سماه بعبارة "كتاب مبين" فيه التصريف والتغيير وهو مناط التدخل الإلهي وفقاً للنواميس الكونية التي ارتضاها وقررها، فتارة يعمل لصالح زيد وأخرى لصالح عمرو، وهو مناط الدعاء. فنحن ندعو الله أن يرسل لنا مطراً، لأن المطر يأتي من تصريف الرياح أو أن يهب لنا ذكوراً وإناثاً. لأن كل هذه الأشياء ليس لها علاقة باللوح المحفوظ وإنما هي أحداث جزئية في أحداث جزئية في ظواهر الطبيعة وإلا فلا معنى لقوله عليه السلام: الدعاء مخ العبادة وقوله أيضاً: لا يرد القضاء إلا الدعاء. وهي أيضاً مناط العلوم كلها الطب والفلك والفيزياء والكيمياء .. الخ. ما عدا الفلسفة والتاريخ. ويقوم التشابه في آيات الكتاب المبين "آيات الله" على نسبة تقدم المعارف الإنسانية بأحداث الطبيعة وظواهرها وهو الذي ينطبق عليه (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (آل عمران 47 – مريم 35).

ب - أفعال الإنسان الواعية: وهو ما نسميه القصص. لقد أكد في الكتاب أن القصص من القرآن في قوله: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) (يوسف 3). فقد أشار إلى أن تتبع أفعال الإنسان المسجلة عليه بعد وقوعها يتم في (إمام مبين) ليميزه عن (لوح محفوظ) (إنا نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12) وقد أورد منه أحداثاً متكاملة لتتبع تطور التاريخ الإنساني، وتطور المعارف في النبوات والتشريع في الرسالات، أي كيف تفاعل الإنسان مع القانون العام للوجود والقوانين الجزئية من جهة، وكيف تفاعل مع الرسالات من جهةٍ أخرى. وبما أنه أعطى هذا الخط في القصص فقد سماه "أحسن القصص".

أما القصص جزء من القرآن فقد ورد في قوله: (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) (يوسف 3) فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهل القصص والقرآن معاً، وكان القصص ليس جزءاً من القرآن لجاءت الصيغة بصورة المثنى أي: وان كنت من قبلهما، وهذه الصيغة "من قبله" تصح في حالة أن القرآن شيء والقصص شيء آخر في حالة واحدة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل القرآن ولا يجهل القصص، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل القصص أيضاً لقوله في سورة هود بعد قصة نوح: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) (هود 49). من هنا نستنتج النتيجة الوحيدة وهي أن القصص جزء من القرآن. وهناك دليل آخر في قوله تعالى في أول سورة النمل: (طس تلك آيات القرآن وكتابٍ مبين) فإذا تصفحنا سورة النمل وجدنا أن فيها قصصاً.

أما العنوان العام الذي أعطاه الكتاب للقصص وهو عبارة "الكتاب المبين" فقد جاء في ثلاث سور فيها قصص وهي سورة يوسف (الر تلك آيات الكتاب بالمبين)، وسورة الشعراء (طسم * تلك آيات الكتاب المبين)، وسورة القصص (طسم * تلك آيات الكتاب المبين).

ولنشرح الآن لماذا سمى القصص الكتاب المبين وسمى ظواهر الطبيعة كتاباً مبيناً.

السبب الأول: أن كليهما أوحي من الإمام المبين وليس من اللوح المحفوظ. وثانيهما أن القصص أعطت مواضيع متكاملة منتقاة لتتبع تطور التاريخ الإنساني، لذا سميت "أحسن القصص"، وعرفت بالكتاب المبين. أما أحداث الطبيعة وظواهرها فقد أورد فيها آيات متفرقة لذا سماها "كتاباً مبيناً".

ونشير إلى أن التشابه في القصص منسوب إلى تطور المعارف الإنسانية حول تطور التاريخ الإنساني، فكلما زادت هذه المعارف تمكنا من تأويل آيات القصص.

ومن هنا نستنتج أن القرآن العظيم وهو كتاب متشابه يتألف من مصدرين رئيسيين:

أ - القانون العام (قرآن مجيد * في لوح محفوظ) وهو كلمات الله القديمة لا تبديل لها وسمي مجيداً لأن السيطرة الكاملة له ولا يمكن الخروج عنه وهو مطلق.

ب - القانون الخاص الجزئي في أحداث الطبيعة الجزئية وظواهرها وأفعال الإنسان بعد وقوعها، وسماه إماماً مبيناً، وهو مناط التصرف والدعاء والمعرفة، ولكنه لا يلغي القانون العام بل يعمل ضمنه وهو كلام الله المحدث وينطبق عليه قوله (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) وفيه إرادة الله الظرفية. حيث أن هذين الجزأين يحملان طابع الوجود الموضوعي. وسمي قرآناً لأنه قرن القانون العام للوجود مع القانون الخاص ومع خط تطور سير التاريخ الإنساني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير