تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذاك أنها لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناهما فتكون قد تجوزت في نفس الكلمة وإنما تجوزت في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر ولغلبة ذاك عليها واتصاله بها وأنه لم يكن لها حال غيرهما كأنها قد تجسمت من الإقبال والإدبار.

وإنما كان يكون المجاز في نفس الكلمة لو أنها كانت قد استعارت الإقبال والإدبار لمعنى غير معناهما الذي وضعا له في اللغة.

ومعلوم أن ليس الاستعارة مما أرادته في شيء.

واعلم أن ليس بالوجه أن يعد هذا على الإطلاق معد ما حذف منه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه مثل قوله عز وجل: " واسأل القرية " ومثل قول النابغة الجعدي من المتقارب:

وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب

وقول الأعرابي من الوافر: وإن كنا نراهم يذكرونه حيث يذكرون حذف المضاف ويقولون: إنه في تقدير فإنما هي ذات إقبال وإدبار ذاك لأن المضاف المحذوف من نحو الآية والبيتين في سبيل ما يحذف من اللفظ ويراد في المعنى كمثل أن يحذف خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا دل الدليل عليه إلى سائر ما إذا حذف كان في حكم المنطوق به.

وليس الأمر كذلك في بيت الخنساء لأنا إذا جعلنا المعنى فيه الآن كالمعنى إذا نحن قلنا: فإنما هي ذات إقبال وإدبار أفسدنا الشعر على أنفسنا وخرجنا إلى شيء مغسول وإلى كلام عامي مرذول.

وكان سبيلنا سبيل من يزعم مثلاً في بيت المتنبي من الوافر:

بدت قمراً ومالت خوط بان وفاحت عنبراً ورنت غزالا

أنه في تقدير محذوف وأن معناه الآن كالمعنى إذا قلت: بدت مثل قمر ومالت مثل خوط بان وفاحت مثل عنبر ورنت مثل غزال في أنا نخرج إلى الغثاثة وإلى شيء يعزل البلاغة عن سلطانها ويخفض من شأنها ويصد بأوجهنا عن محاسنها ويسد باب المعرفة بها وبلطائفها علينا.

فالوجه أن يكون تقدير المضاف في هذا على معنى أنه لو كان الكلام قد جيء به على ظاهره ولم يقصد إلى الذي ذكرنا من المبالغة والاتساع وأن تجعل الناقة كأنها قد صارت بجملتها إقبالاً وإدباراً حتى كأنها قد تجسمت منهما لكان حقه حينئذ أن يجاء فيه بلفظ الذات فيقال: إنما هي ذات إقبال وإدبار.

فأما أن يكون الشعر الآن موضوعاً على إرادة ذلك وعلى تنزيله منزلة المنطوق به حتى يكون الحال فيه كالحال في: حسبت بغام راحلتي عناقاً

حين كان المعنى والقصد أن يقول: حسبت بغام راحلتي بغام عناق.

مما لا مساغ له عند من كان صحيح الذوق صحيح المعرفة نسابة للمعاني.


تهور بعض المفسرين
هذه مسألة قد كنت عملتها قديماً وقد كتبتها هاهنا لأن لها اتصالاً بهذا الذي صار بنا القول إليه.
قوله تعالى: " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب " أي لمن كان أعمل قلبه فيما خلق القلب له من التدبر والتفكر والنظر فيما ينبغي أن ينظر فيه.
فهذا على أن يجعل الذي لا يعي ولا يسمع ولا ينظر ولا يتفكر كأنه قد عدم القلب من حيث عدم الانتفاع به وفاته الذي هو فائدة القلب والمطلوب منه.
كما جعل الذي لا ينتفع ببصره وسمعه ولا يفكر فيما يؤديان إليه ولا يحصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من لا سمع له ولا بصر.
فأما تفسير من يفسره على أنه بمعنى من كان له عقل فإنه إنما يصح على أن يكون قد أراد الدلالة على الغرض على الجملة.
فأما أن يؤخذ به على هذا الظاهر حتى كأن القلب اسم للعقل كما يتوهمه أهل الحشو ومن لا يعرف مخارج الكلام فمحال باطل لأنه يؤدي إلى إبطال الغرض من الآية وإلى تحريف الكلام عن صورته وإزالة المعنى عن جهته.
وذاك أن المراد به الحث على النظر والتقريع على تركه وذم من يخل به ويغفل عنه.
ولا يحصل ذلك إلا بالطريق الذي قدمته وإلا بأن يكون قد جعل من لا يفقه بقلبه ولا ينظر ولا يتفكر كأنه ليس بذي قلب كما يجعل كأنه جماد وكأنه ميت لا يشعر ولا يحس.
وليس سبيل من فسر القلب هاهنا على العقل إلا سبيل من فسر عليه العين والسمع في قول الناس: هذا بين لمن كانت له عين ولمن كان له سمع.
وفسر العمى والصمم والموت في صفة من يوصف بالجهالة على مجرد الجهل وأجرى جميع ذلك على الظاهر فاعرفه.
ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم أن يتوهموا أبداً في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنها على ظواهرها فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع البلاغة وبمكان الشرف.
وناهيك بهم إذا هم أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل.
هناك ترى ما شئت من باب جهل قد فتحوه وزند ضلالة قد قدحوا به.
ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق.

ـ[أبو سارة]ــــــــ[10 - 10 - 2005, 06:41 ص]ـ
تهور بعض المفسرين

على رسلك يا أستاذ جمال، الأمر فيه سعة ...

ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 10 - 2005, 01:38 م]ـ
أخي المشرف الفاضل

إنّه الجرجاني ولست أنا
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير