وكأنَّ حكمة تجليلهم معه بالكساء تقويةُ استعارة البيت بالنسبة إليهم تقريباً لصورة البيت بقدر الإمكان في ذلك الوقت ليكون الكساء بمنزلة البيت ووجود النبي صلى الله عليه وسلم معهم في الكساء كما هو في حديث مسلم تحقيق لكون ذلك الكساء منسوباً إليه، وبهذا يتضح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن آل بيته بصريح الآية، وأن فاطمة وابنيْها وزوجها مجعولون أهل بيته بدعائه أو بتأويل الآية على محاملها.
ولذلك هُمْ أهل بيته بدليل السنة، وكل أولئك قد أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، بعضه بالجعل الإلهي، وبعضه بالجعل النبوي، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم " سَلْمان منّا أهلَ البيت ". وقد استوعب ابن كثير روايات كثيرة من هذا الخبر مقتضية أن أهل البيت يشمل فاطمة وعليّاً وحسناً وحسيناً. وليس فيها أن هذه الآية نزلت فيهم إلا حديثاً واحداً نسبه ابن كثير إلى الطبري ولم يوجد في تفسيره عن أم سلمة أنها ذكر عندها علي بن أبي طالب فقالت: فيه نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} وذكرتْ خبر تجليله مع فاطمة وابنيه بكساء (وذكر مصحّح طبعة «تفسير ابن كثير» أن في متن ذلك الحديث اختلافاً في جميع النسخ ولم يفصله المصحّح).
وقد تلقّف الشيعة حديث الكساء فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما عليهم الرضوان، وزعموا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن من أهل البيت.
وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشواً بين ما خوطب به أزواج النبي. وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء إذ ليس في قوله: «هؤلاء أهل بيتي» صيغة قصر وهو كقوله تعالى:
{إن هؤلاء ضيفي}
[الحجر: 68] ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها وما بعدها. ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين، وأن منشأه قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها. ويدل لذلك ما رواه المفسرون عن عكرمة أنه قال: من شاء بأهلية أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال أيضاً: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصرخ بذلك في السوق. وحديث عمر بن أبي سلمة صريح في أن الآية نزلت قبل أن يدعو النبي الدعوة لأهل الكساء وأنها نزلت في بيت أم سلمة.
وأما ما وقع من قول عُمر بن أبي سلمة: أن أم سلمة قالت: وأنا معهم يا رسول الله؟ ... فقال: " أنت على مكانك وأنتِ على خير ". فقد وهم فيه الشيعة فظنوا أنه منعها من أن تكون من أهل بيته، وهذه جهالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أن ما سألته من الحاصل، لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها، فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم، فالدعاء لها بأن يذهب الله عنها الرجس ويطهرها دعاء بتحصيل أمر حصل وهو مناف بآداب الدعاء كما حرره شهاب الدين القرافي في الفرق بين الدعاء المأذون فيه والدعاء الممنوع منه، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم تعليماً لها. وقد وقع في بعض الروايات أنه قال لأم سلمة: " إنك من أزواج النبي ". وهذا أوضح في المراد بقوله: «إنك على خير».
أرجو من الأخوة أهل السنّة أن يقرأوا بتمعن شديد ماكتبه شيخنا إبن عاشور والذي بيّن بجلاء تفاهة من قصر أهل البيت على علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام
قال (فقد وهم فيه الشيعة فظنوا أنه منعها من أن تكون من أهل بيته، وهذه جهالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أن ما سألته من الحاصل، لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها، فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم،) ---يقصد أنّ قوله:= (" أنت على مكانك وأنتِ على خير) أي أنت كما أنت من أهل البيت يشملك المفهوم أمّا هؤلاء فقد أضيفوا إضافة
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[19 - 10 - 2005, 08:39 م]ـ
الأخ حبيب ..
تقول: إن هناك قرائن داخلية في نفس اللفظ تفيد أن السياق في لفظ الفقرة المعنية من الآية الشريفة قد خرج من سياقه السابق، وهو يقطع النظر عن السياق المحتج به في المقام من قبل المخالف، فأرجو الالتفات لهذه النقطة للباحث المنصف ... وهذا يضعف حجة السياق، والتي هي كل ما لدى القوم فأكرّر رجائي من الباحث المنصف الالتفات له.
فأقول: لقد كنت في قولك هذا أكثر حذراً في إخفاء عقيدتك من صاحب الميزان، حيث يقول: فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، أو عند التأليف بعد الرحلة (الميزان: (16/ 312).
مع أن المجلسي لم يكن حذراً في هذا الإخفاء، وأظهرها علناً في ردّه على هذا الإشكال، فقال: لعلّ آية التطهير وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب، فنقول: ستأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة، فلعلّه سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينها (انظر: (البحار: (35/ 234)، محجة العلماء: (163)، فصل الخطاب: (320)، الحدائق الناضرة: (2/ 290).
وهذه الأقوال مجتمعة تصبّ في خندق واحد لا حاجة لأن نخوض في ترهاته!
¥