تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(الإسراء:85)

فالعقل الإنساني إذ هيأه الله للمعرفة، يحاول دائماً ان يعرف مبدأ الوجود، ومصير الوجود، ليتأتى له أنْ يختط مسيرته في هذا الوجود ويحاول أنْ يكتنه المجهول لخشيته منه.

من هنا كان سؤاله عن ذات الله، وعن صفاته، وعن إمكانية رؤيته، سواء في الدنيا أو في الآخرة، وإذ عجز العقل الإنساني عن رؤية الله في الدنيا، أخذ بجري في عقله تصورات شتى عن خالقه، واستقر مطمح بعض المؤمنين إيمانا وجدانياً على إمكانية رؤيته بالآخرة محاولين أنْ يجدوا في القرآن الكريم ما يدل على هذا التصور.

إنَّ موضوع رؤية الله من المواضيع الخلافية بين مفكري الإسلام (علماء التوحيد)، وإذ يتعلق موضوع الرؤية بمشكلة التجسيم، الأمر الذي أثار جدلاً لا هوادة فيه؛ بين الفئات الإسلامية، من قبل أهل الحديث، والأشاعرة، وأهل الظاهر، والماتريدية، وجميع هؤلاء يحكمون لأنفسهم بأنهم أهل الحق، وأنهم أهل السنة والجماعة، وكل هؤلاء يثبتون الرؤية لله تعالى يوم القيامة، ويختلفون في الجسم وما يلزم عن الحسم مثل: اليد، والوجه والعين، والساق، والأصابع وغيرها ويختلفون في الجهة وغيرها ويهربون من لازم التجسيم إلى القول الذي يأتون نه من عندهم: بلا كيف والخلاف بين هؤلاء وبين أهل التوحيد والعدل، المنزه لله عن كل معنى من معاني التشبيه والتجسيم وهم المعتزلة والزيدية وهما على قمة أهل التنزيه، لتأتي الإمامية والخوارج [الأباضية] بعد ذلك، أما المجسمة فلا جدوى من البحث معهم بموضوع الرؤية ـ ما داموا يثبتون لله جسماً ـ وإنما البحث يكون معهم باستحالة ان يكون الله جسماً؛ إذ لو كان الله جسماً؛ لما كان هناك نزاع في إمكان رؤيته.

لقد أخذ موضوع الرؤية يبرز مرة أخرى على يد أهل الحديث الجدد، ويشكل ظاهرة قوية، أخذت تعمل على نقل الأمة الإسلامية من ساحة الفكر والتفكير في النهضة، إلى ساحة النقل والتسليم، يرجون من محاولتهم هذه حبس الأفكار وقوقعتها ضمن مسلمات تراثية؛ تستند إلى فكر أهل النقل المسلم بالرؤية، عاملة على إبقاء الشباب المسلم دون بصيرة يستطيع فيها أن يبدع في الفكر الإسلامي، وينمي الفهم فيقطف الثمار.

إنَّ الخطورة تكمن في إبقاء المسلمين في حالة محافظة على بعض أفكار تراثية عاجزة عن الوقوف في مواجهة الدليل، وأمام مستجدات العصر من نظريات في الفكر، وخاصة ما يتعلق يالكوزمولجي مثل الانفجار الكوني العظيم والبيولوجي والفلك والنظام الرياضي للكون وما حدث من تقدم معرفي هائل في هندسة الجينات والحمل خارج الرحم والاستنساخ، مما يجعلنا في حالة عجز وشلل أمام الهجمة الفكرية المتسلحة بالأيدلوجيات، وطرق التفكير، ومناهج البحث، والمنجزات العلمية فتكون الأمة في موضع المهزوم، فتتقوقع أو تتأثر أو تنسحب، وكل تلك الأمور في غاية الخطورة.

يحاول أهل الحديث الجدد عامدين إلغاء دور العقل في إدراك القضايا الإيمانية، ويخلطون عامدين بين قضايا المعرفة، وقضايا الشريعة، فيمثلون بالقضايا الشرعية؛ مثل المسح على ظاهر الخفين وما هو مثل ذلك، لتبرير إلغاء دور العقل، ويعطون لآرائهم وأراء علماء فرقتهم صفة الوحي، فيجعلون ما فهموه وكأنه منطوق كلمة الوحي، ويهملون عامدين مقالات المخالفين لهم من العلماء، أو يقللون من شأنهم بوصفهم بعدم العلمية أو بالابتداع أو الانحراف.

لهذا كان لا بد من جمع مقالات العلماء من الاتجاهات بموضوع الرؤية، دون أي تصرف فيها، والإبقاء عليها كما هي، ليتأتى للمسلمين بالدراسة والبحث والمقارنة أن تتشكل لهم رؤية مستندة إلى الدليل الأقوى، والاستدلال الأصح، لينتهي البحث بعملية ترجيح مبنية على منهج واضح، دون أي محاولة للتأثر بالعاطفة مع الإدراك بأن إثارة الفكر هي الطريق الأكثر تقويما والأسلم لمثل هذه المواضيع.

لقد أحس الناس جميعاً بإرهاصات الإسلام، فعمل أعداء الإسلام ـ وبسرعة ملفتة للنظر وبخطط محكمة ومدروسة، على احتواء الإسلام، أو تذويبه، أو مواجهته، وبرز احتواء الإسلام في إشغال المسلمين بقضايا الأعمال الخيرية، والروحية، والتهذيبية، والرياضية، وثقافة الوعظ والإرشاد، ومدارس حفظ القرآن، ومسابقات الحفظ للقرآن والتجويد، وعقد المؤتمرات وخطابات المواسم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير