تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 11:31 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المحمود على كل حال، الذي بحمده يستفتح كل أمر ذي بال، خالق الخلق لما شاء، وميسرهم على وفق علمه وإرادته، لا على وفق أغراضهم لما سرّ وساء، ومصرّفهم بمقتضى القبضتين، فمنهم شقيّ وسعيد، وهداهم النجدين، فمنهم قريب وبعيد، ومسويهم على قبول الإلهامين ففاجر وتقيّ، كما قدّر أرزاقهم بالعدل على حكم الطرفين ففقير وغنيّ، كل منهم جار على ذلك الأسلوب فلا يعدوه، فلو تمالأوا على أن يسدوا ذلك السبق لم يسدوه، أو يردّوا ذلك الحكم السابق لم ينسخوه ولم يردوه، فلا إطلاق لهم على تقييده ولا انفصال، " وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ".

أما بعد:

فإني أذكّرك أيها الأخ الفاضل أمين في مقدّمة ينبغي تقديمها قبل الشروع في المقصود، وهي أن من شأن كل صاحب مخالفة أن يدعو غيره إليها، ويحضّ سؤاله بل سواه عليها، إذ التأسّي بالأفعال والمذاهب موضوع طلبه في الجبلّة، وبسببه تقع من المخالف المخالفة، وتحصل من الموافق المؤالفة، ومنه تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين.

وإنما قدمت هذه المقدمة لمعنى أذكره. وذلك أنني رأيتك في مقدّمتك تلقّب الحقّ وأهله بالألقاب المنفّرة التي لا تفيد إلا إتعاب عقل الإنسان، وكثرة الهذيان. حتى قلت عن قضية رؤية الله تعالى في الآخرة أنها تبدو " كأحد الأفكار المحبطة للنهضة، ذلك أن إثبات الرؤية يعني إلغاء دور العقل في الاعتقاد ". ولا ندري ما شأن العقل بمثل هذا الاعتقاد الذي لا يمكن للإنسان أن يدرك منه إلا ما صدّقه الوحي والقرآن.

فإن أردت الحق، فحاكمنا إلى الوحي والقرآن، لا إلى منطق يونان، ولا إلى قول فلان ورأي علان، ولا بحجّة التخلّف عن فهم الكوزمولوجي وانفجار الأكوان، أو بالعجز عن مواجهة الاستنساخ والتلاعب في الأجنّة والجينات.

فهذا كتاب الله ليس فوق بيانه مرتبة في البيان، وهذه سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مطابقة له أعظم من مطابقة البيان للسان. وهذه أقوال أعقل الأمم بعده والتابعين لهم بإحسان، لا يختلف منهم في رؤية الربّ سبحانه اثنان، ولا يوجد عنهم فيها قولان متنافيان.

فالله المستعان على ألسن تصف، وقلوب تعترف، وأعمال تختلف.

ثم إليك بيان تهافت كلامك من أوله إلى آخره:

فنقول وبالله التوفيق: إن في قوله تعالى: " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ "، إثبات الرؤية للوجوه التي فيها العيون الناظرة، وذلك لأنه وصفها بالنضارة، وقرن النظر بكلمة (إلى) وعدّاه بها إلى المنظور إليه. وما هذا سبيله لا يُفهم منه إلا نظر العين، إلا عند اقتران قرينة توجب الصرف إليه يعلم بها أنه أراد به الانتظار أو الاعتبار. وإن في قول حسان الذي أوردته حجّة عليك:

وجوه يوم بدر ناظرات --- إلى الرحمن يأتي بالخلاص

فإنه لما اقترن بقوله ناظرات قوله يأتي بالخلاص، علم أنه أراد به الانتظار، وفيما نحن فيه مثل هذه القرينة منعدمة، فلن يحمل إلا على النظر. ومعلوم أيضاً أن بعض الرواة روى البيت هكذا: وجوه يوم بكر، ناظرات .. وقال: إن مراد الشاعر من هذا يوم اليمامة، سُمّي يوم بكر لأن القتال كان فيه مع بني حنيفة بن لُخَيْم رهط مسيلمة الكذاب، وبنو حنيفة بطن من بكر بن وائل، فسُمّي ذلك اليوم يوم بكر لهذا. وعني بـ (الرحمن) مسيلمة الكذاب، فإنهم كانوا يسمّونه رحمن اليمامة.

وبهذا يبطل تأويل من قال معناه ثواب ربها منتظرة، لما مرّ أن النظر المضاف إلى الوجه المعدّى إلى المنظور إليه بحرف (إلى)، يكون المراد منه نظراً لا انتظاراً.

أما إذا أريد به الانتظار فإنه لا يعلق بالوجه ولا يعدّى بـ (إلى). قال الله تعالى خبراً عن تلك المرأة: " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ " (النمل: 35). فلم يقيّد بالوجه، ولا عدّي بكلمة (إلى) لمّا أريد به الانتظار. وقال الشاعر:

فإن يك صدر هذا اليوم ولي --- فإن غداً لناظره قريب

أي لمنتظره. فأما قول جميل بن معمر:

إني إليك لما وعدت لناظر --- نظر الذليل إلى العزيز القاهر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير