تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن المراد منه النظر الذي هو رؤية العين، لأنه عدّاه بكلمة إلى. فمعناه إني أنظر إليك بالذلّ والانكسار، لأن النظر إلى المأمول على هذا الوجه يبعثه على المسارعة إلى قضاء الحاجة وإنجاز الوعد. وفي قول القائل:

ويوم بذي قار رأيت وجوههم --- إلى الموت من وقع السيوف نواظر

أراد أيضاً نظر الرؤية لما عدّاه بكلمة (إلى). ثم إن بعض الناس قالوا المراد منه حقيقة الموت، وبعضهم قالوا أراد بالموت أسباب الموت كالضرب والطعن وهي مرئية في العادة، والشيء قد يُسمّى باسم ما يؤول إليه. وبعضهم قالوا أراد بالموت الأبطال الذين يوجد الموت بسبب ضربهم وطعنهم وإقدامهم في الهيجاء، كما قال جرير:

أنا الموت الذي خُبّرت عني --- فليس لهارب مني نجاء

وقال آخر:

يا أيها الراكب المزجي مطيته --- سائل بني أسد ما هذه الصوت

وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا --- قولاً يقربكم إني أنا الموت

ثم نذكر وجهين آخرين يدلان على أن حمل الآية على الانتظار فاسد: أحدهما راجع إلى نفس المنتظَر، والآخر إلى حال المنتظِر.

أما الراجع إلى نفس المنتظَر فهو أن الثواب يومئذ يكون موجوداً لأن الجنّة دار وقوع الثواب، لا دار الانتظار. إذ الانتظار لذلك موجود في الدنيا والمعدوم هو الذي ينتظر لا الموجود. وما يقال في مبتذل الكلام: انتظر زيداً، معناه انتظر حضوره وقدومه. ألا ترى أنه لو فسر فقال انتظر حضوره كان مستقيماً، ولو قال: انتظر وجوده، كان فاسداً. فدلّ أن هذا التأويل باطل.

وأما الراجع إلى حال المنتظِر، فهو أن وليّ الله تعالى في الجنّة مصون عمّا يوجب اعتراء وحشة في صدره أو ضيق وقلق في قلبه. وفي الانتظار ذلك وتنغيص للنعمة. وقد قيل في المثل السائر: الانتظار موت أحمر. وهذا ممّا لا يليق بحال أهل الجنّة. ألا ترى كيف وصفهم بنضارة الوجوه بقوله تعالى: " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ". وذلك وصف من نال الثواب، لا وصف من هو بعد يقاسي ألم الانتظار وكربه. يحقّقه أن النظر مضاف إلى الله تعالى لا إلى غيره. فلا يجوز صرفه إلى غيره. ولو جاز ذا، لجاز صرف قوله: " وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ " (الحج: 77) إلى غير الله تعالى.

وحقيقة هذا أن إضمار المضاف وإقامة المضاف إليه مقام المضاف إنما يجوز عند تعيّن المضاف في نفسه بدليل من الدلائل، فتحصل فائدة الكلام، وهي الإفهام، كما في قوله تعالى: " وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا " (يوسف: 82)، أي أهل القرية لأن السؤال للجواب ولا جواب يُنتظر من الأبنية والحيطان وشيء من الجمادات. فعلم أن المراد منه من ينتظر منه الجواب وقد اختصّ بذلك الأهل. فأما عند انعدام دليل تعين بعض ما يضاف إليه فلا يجوز الإضمار لانعدام الفائدة.

ألا ترى أن قائلاً لو قال: رأيت زيداً، وأراد به عمامته أو قميصه أو دابّته أو غلامه أو داره، كان مخطئاً في ذلك لاستواء هذه الأشياء وما سواها أيضاً في صحّة الإضافة إلى زيد، وانعدام دليل التعين، فكان المتكلم به المريد بعض هذه الأِشياء من غير دليل التعيين متكلماً بما لا فائدة فيه فعُدّ سفيهاً جاهلاً.

ثم ما تصحّ إضافته إلى الله تعالى أشياء كثيرة من نحو الجنة والعرش والملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام وأصحاب الرسل والأولياء وعباد الله الصالحين والدور والقصور والحور العين والغلمان والبسط والحلل والأواني وغير ذلك مما لا يحيط به العدّ والإحصاء، وإن بولغ في الاستقصاء فتعيين البعض بلا دليل يوجب التعيين غير سائغ في اللغة وخروج في الخطاب عن عادات الحكماء. فحمل كلام الله تعالى على هذا فاسد. ولا يجوز المصير إليه. والله الموفق.

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:22 ص]ـ

إثبات الرؤية من الآية الكريمة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

نكمل الحديث عن الآية الثانية التي اعترض عليها الأخ أمين، وهي ما جاء فيها قوله جلّ وعزّ: " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (يونس: 26).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير