تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

§ ومع إجماع أهل العربية على فصاحة القرآن، ووضوح بيانه، وهو في المنزلة العليا من الفصاحة، لكن من المعروف وجود الفصاحة في كلام العرب؛ فيكون القرآن فصيحا في مستوى أعلى من مستوى كلام العرب، وهذا لا يدل على الإعجاز، وإنما يدل على التميز، ومع ذلك فإنَّ الفصاحة تتفاوت في الآيات، ولهذا لا يصلح هذا الوجه للدلالة على الإعجاز، مثله في ذلك مثل الوجه الأول.

§ الوجه الثالث: هو الوصف الذي تنقضي به العادة، بحيث قيل: إنَّ القرآنَ خارجٌ عن جنس كلام العرب، فالقرآن مع كونه لم يخرج عن العربية مفردات وتراكيب؛ فهو ليس نثرا على وصف العرب؛ وليس شعراً لا على بحور العرب؛ ولا على غيرها من ضروب الشعر؛ ولا يمكن وصفه بأنه من جنس خطب العرب، ولم يأت على أسلوب العرب بالنظم والرجز والسجع والمزدوج، فلا يدخل في أي شكل من أشكال كلام العرب؛ مع أنَّ كلماته وحروفه وأوزانه كلها مستعملة في نظمهم ونثرهم.

حُكيَ (الفعل بصيغة التضعيف) أنَّ ابن المقفع {هو عبد الله، كاتب شاعر، وأحد النقلة من الفارسية إلى العربية، وهو فارسي الأصل، نشأ بالبصرة، واتهم بالزندقة، قُتلَ عليها من قبل أمير البصرة}: طلبَ أنْ يعارض القرآن، فنظم كلاما، وجعله مفصلاً، وسماه سوراً، فاجتاز يوما بصبي يقرأ في مكتب: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود:44). فرجع، ومحا ما عمل، وقال: أشهد أنَّ هذا لا يعارض أبداً، وما هو من كلام البشر، وكان فصيح أهل عصره، فرغم فصاحة ابن القفع ونظم كلاما فصيحا إلاَّ أنه أدرك أنَّ موضوع الإعجاز ليس فصاحة القرآن فالإعجاز ليس هو الفصاحة.

§ الوجه الرابع: كون قارئه لا يكل، وسامعه لا يمل، وإكثار تلاوته تزيده حلاوة في النفوس، وميلا إلى القلوب، وغيره من الكلام وإنْ كان مستحسن النظم، مستعذب النثر يُمَلَّ منه إذا أعيد، ويستقل إذا ردد. وهذا القول لا يقبل على كل الوجوه، وإنما يقبل إذا كان السامع مؤمنا به وعنده دفقة من المشاعر، أو إذا كان تاليه يحسن التلاوة، وسامعه يدرك المعاني، أو يدرك الجرس ويمتلأ حسه به، أو يدرك البلاغة فيه، ومعلوم وجود بعض أهل المشاغبة من لا يستمع إليه، بل وهناك من يصرح بأنه يكره سماعه، من هذا البيان لا يمكن جعل هذا الوجه مقبولاً، للحكم على أنَّ القرآن معجزٌ. على أنَّ قبول هذا القول؛ يعني أنَّ الإعجاز هو في صوتيات القرآن الكريم، وليس في حديث مثله، أو عشر سور من مثله، أو سورة واحدة من مثله، وهو ما تبين سابقا أنَّ التحدي جاء في ذلك.

§ الوجه الخامس: ما حواه من أخبار الماضين، وهذا يعني عند القائلين به: إنَّ في القرآن الكريم أخباراً عن أمور ماضية مما علموه، أو لم يعلموه، فإذا سألوا عنه، عرفوا صحته، وتحققوا صدقه، كالذي حكاه عن قصة أهل الكهف: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (الكهف:9) وشان موسى والعبد الصالح: (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف:65) وحال ذي القرنين: (وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) (الكهف:83) وقصص الأنبياء مع أممهما: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُون َ) (غافر:78) وما جاء في القرآن عن الأمم السابقة: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) (الاحقاف:18). وهذا الوجه مردود لسببين: الأول، في التوراة قصص مثل هذه القصص، فهل يقال بأنَّ التوراة وغبرها من كتب أهل الكتاب التي ترد بها أخبار عن ماضين كتب معجزة؟؟؟ الثاني هو أنَّ سور القصص وهي سور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير