2. الضرب الثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له، مع كونه في قدرتهم، ولو تعرضوا له لجاز أنْ يقدروا عليه، وأساس هذا القول ما يعلمه المعتزلة من أنَّ اللغة ممكنون منها وحدث عجزهم عن موضوع من مواضيعها.
وعلى طريقة جمع كل ما في البيدر دون تمييز، رأي البعض أنَّ مجموع ذلك كله هو سبب وصف القرآن بالإعجاز، بما فيها الصِّرْفة، والكلام بهذه الصورة لا يبنى على تصور صادق لمعنى الإعجاز، وإذا كان الإعجاز مجمع عليه عند المسلمين، لكن سره بقي عصيا، فكان أنْ قالت المعتزلة الأوائل ـ الطبقة السادسة فما قبلها ـ بالصرفة؛ إدراكا منها لاستعصاء معرفة سر الإعجاز، وقد تأسس القول بالصرفة على ما يلي:
§ من حيث المفردات: جميع المفردات التي استعملها القرآن دون استثناء هي عربية وضعا، أو عربية تعريبا، ويشمل التعريب أسماء الأعلام الأعجمية.
§ أسلوب القرآن في التراكيب؛ هو أسلوب العرب، لكنه جاء على أسلوب النثر؛ دون أنْ يلتزم أُسلوبا واحداً من أساليبه، وهو ليس على أسلوب الشعر. وهاتان الخصيصتان جعلا وصف القرآن بأنه عربي أمر حق.
§ العرب في أيام نزول القرآن؛ كانوا قد قطعوا جميع المسافات في نضج اللسان العربي، فالقرآن نزل في لغة تامة النضج مكتملةٍ مفردات وتراكيب.
§ أمام الحقائق الثلاث السابقة: وهي التطابق التام بين العربية عند أهلها؛ وبين عربية القرآن. فكيف عجز العرب ـ وهم أهل الكلام فيها على السليقة، وهم واضعو العربية مفردات وتراكيب ـ عن الإتيان بمثله؟.
حير الموضوع هذا أهل الألباب! أي أهل صنعة العربية أصلا، فقد أقروا بالعجز عن الإتيان بمثله. لذلك فأنَّ التفسير بالصرفة ـ قبل التمكن من مفتاح العلوم في علومه: الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع والعروض وأصول الاستدلال، هو التفسير الصحيح للإعجاز.
وإذ اكتمل مفتاح العلوم في نهاية القرن الرابع الهجري؛ تطورت نظرية الصرفة تطورا طبيعيا نحو نظرية النظم على يد المعتزلة، ليأخذها عبد القاهر الجرجاني؛ ويضعها في كتابه دلائل الإعجاز، وهو الكتاب الذي صار عمدة الإعجاز ومحل التسليم؛ منذ وضعه عبد القاهر حتى عقود قليلة خلت، فسيد قطب القتيل ظلما عام 1966م في كتابه التصوير الفني في القرآن جعل نظرية النظم أساسا؟.
لكن في هذا الزمن ظهرت نابتة جديدة، بسبب التقدم العلمي؛ ولإدخال النص القرآني على الحوسبة، ولضعف هذه النابتة في مواضيع التراث؛ فهي في حالة شلل وعجز عن تطوير مفاهيم التراث، وإذ أجاز نظام التعليم الأكاديمي تقديم أطروحة في موضوع جزئي من القرآن؛ أو عنه، صار عين الموضوع الأكاديمي الجزئي بديلا عن الدراسة العامة في موضوع أعجاز القرآن، ولهذا ظهر في الساحة من يقول: الإعجاز البياني في آيات كذا وآيات كذا، وكان الأولى به أنْ يقول الخصائص البيانية في آيات كذا، وظهر في الصحف اليومية في صفحة الحيض والنفاس والطهارة، وهي صفحة تظهر كل صباح من يوم الجمعة، أي اليوم الذي يقل القراء فيه، يظهر في تلك الجرائد كتابات عن الإعجاز، هي من مواضيع بلاغية جزئية.
إنَّ المواضيع البلاغية الجزئية؛ فضلا عن أنها بحث من أبحاث البلاغة، فهي ليست حلا للإعجاز، وإنما هي حالة تذوق من شخص لأمر بلاغي، قد يكون في آية؛ أو في آيات من سورة؛ أو من سور مختلفة؛ أو في موضوع، حسب ذوق المتذوق ومرانه على التذوق؛ فيتحول أمر الإعجاز من إعجاز إلى تحليل بلاغي لغوي، والتحليل البلاغي اللغوي ليس موضوعا جماعيا، من هنا يصبح الإعجاز محكوما بالرؤية الفردية، مع أنَّ الإعجاز هو الأساس الوحيد للجملة الثانية من إعلان الدخول إلى مسمى الإسلام {أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله} وعلى الحملة الثانية تبنى حقيقة الإيمان من الناحبة العملية، وهذا التحول يشكل كارثة؛ في زمن هجوم أهل التغريب على اللسان العربي، وعلى منظومة المعاني في القرآن الكريم.
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 05:25 م]ـ
السلام عليكم
هل من الممكن أن تستدل على كلامك (وإذ اكتمل مفتاح العلوم في نهاية القرن الرابع الهجري؛ تطورت نظرية الصرفة تطورا طبيعيا نحو نظرية النظم على يد المعتزلة، ليأخذها عبد القاهر الجرجاني؛ ويضعها في كتابه دلائل الإعجاز، وهو الكتاب الذي صار عمدة الإعجاز ومحل التسليم؛ منذ وضعه عبد القاهر حتى عقود قليلة خلت)
أيّ هذه التهمة التي تلصقها بشيخنا الجرجاني --ما دليلك عليها؟؟؟
ـ[أمين نايف ذياب]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 10:45 م]ـ
نظرية الجرجاني نظرية في الإعجاز سائدة هل من الممكن أن تظهر نظرية دون سوابق لها هكذا تنشأ دفعة واحدة حاول أن تأتي بنظرية تكون من أول يوم مكتملة فهل بحثت عن جذر دلائل الإعجاز النظرية الجرجانية هذه واحدة
أما الثانية فقد قدمت في بريطانيا أظن من باحث عراقي اثبت جذر النظرية وأنه اخذها بكمالها من كتاب القاضي عبد الجبار من المغني في التوحيد والعدل ويمكنك إدراك ذلك إن كنت باحثا أصيلا
والثالثة من ذلك هل تستطيع أن تقول: إن نظرية النظم أصلها واحد من المقالات السبع في الإعجاز أم هي إلى نظرية الصرفة أقرب
لك تحيتي
¥