تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان عمله إنشاء سفينة، وإطلاقها في بحر شعوب العالم وفي مجرى التاريخ. . وكان حريصاً أن يكون ربانها بعده أهل بيته، الذين اصطفاهم الله وطهرهم، وأورثهم الكتاب. . ولكن إن لم تقبل الأمة بقيادتهم، فليكن الربان من يكون، حتى يبلغ الله أمره في هذه الأمة، ثم يبعث فيها المهدي الموعود عليه السلام.


(5)
والمسألة الثالثة: أن الجانب الذاتي في الرسول عليه السلام موجودٌ ومؤثرٌ دون شك، فهو مفكرٌ، نابغٌ، مخطط ٌ، فاعلٌ مختار. . ولكن الذاتية في عمله ضئيلة جداً!
وما يقابل الذاتية هنا ليس الآلية، فإن إطاعة الرسول عليه السلام لما يوحى اليه إنما هو عن قناعةٍ، وإيمانٍ، وتَعَبُّد.
الرسول يجتهد في أمورٍ، شخصية أو عامة. . ولكن مساحة الأمور التي يسمح لنفسه أن يجتهد فيها ويعمل فيها برأيه، جزءٌ قليلٌ من مساحة عمله الواسع الكبير!
فمثله كمثل مهندسٍ أرسله رئيسه لتنفيذ مشروع كبير، وهو مقتنعٌ أن عليه أن يتصل دائماً برئيسه، ليأخذ منه التعليمات الحكيمة الصحيحة، حتى لا يقع في أخطاء ضارة. . فهو يعمل ويفكر وينفذ، ولكنه على اتصالٍ دائم بمركزه، يأخذ منه مراحل الخارطة، ويستشيره في رفع إشكالات التنفيذ!
وهذا المثل لمهمة هذا المهندس، مصغرٌ آلاف المرات عن مهمة الرسول عليه السلام.
أما مركز هداية الرسول عليه السلام، فلا يقاس أحدٌ بالله سبحانه، ولا فعل أحدٍ بأفعاله.

**

وعلى هذا، يجب علينا في دراسة سيرة نبينا صلى الله عليه وآله أن ندخل في حسابنا هذه الأمور الثلاثة: أنه مبلغٌ ما أمر به. وأن عمله إنشاء أمة وإطلاقها في مسيرة التاريخ. وأن عمله دائماً بتوجيه ربه، وليس من عند نفسه. .
والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وآله يلمس هذه الحقيقة لمساً، وأن الله تعالى كان يدير أمره من أول يومٍ الى آخر يوم، وكان هو يطيع وينفذ. . مسْلِماً أمره الى ربه، متوكلاً عليه، راضياً بقضائه وقدره. .
ولذا جاءت النتائج فوق مايتصور العقل البشري، وفوق ما يمكن لكل مهندسي المجتمعات، ومنشئي الأمم، ومؤسسي الحضارات. .
لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وآله أن يحدث مداً عقائدياً حضارياً عالمياً في أقل مدة،

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير