تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولان الحال لا تخلو إما أن يقال لارتبة في الفصاحة أعلى من رتبة القرآن، كما ذهب إليه بعض أهل العدل، فقالوا: لو كان في المقدور رتبة أعلى منها لانزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن، إذ لا يحسن أن يقتصر المكلف على أدنى البيانين مع قدرته على أعلاهما، ولان في أعلى البيانين وجه الدلالة على صدق الرسول أقوى.

واما أن يقال: بأن القرآن وإن كان فصيحا بليغا ففي مقدور الله تعالى ما هو أعلى منه مرتبة في الفصاحة. فيقول المعترض فهلا أنزله من أوله إلى آخره على أعلى مراتب الفصاحة التي ليس وراءها منتهى.

قال: فهذا دليل على أن العمدة في الاعجاز ليس اختصاصه بالفصاحة والبلاغة لكن عجز ومنع أحدثهما الله تعالى فلم يشتغلوا بالمعارضة.

ومنها: ان الله تعالى أنزل القرآن وأودع فيه من العلوم ما علم أن حاجة الخلق تمس إليه إلى قيام الساعة، لاجرم بذل العلماء في كل نوع منه مجهودهم، واستفرغوا فيه جهدهم ووسعهم، فأهل الكلام ـ خصوصا أهل العدل والتوحيد ـ استظهروا في ما ذهبوا إليه من العدل والتوحيد بالآيات الواردة فيه على صحة ما اعتقدوه، وعلى [إبطال] ما ذهب إليه أهل الاهواء والبدع وفساد ما انتحلوا.

وأهل الفقه غاصوا في بحور النصوص فاستنبطوا منها المعاني وفرعوا الاحكام عليها.


(2) سورة هود 11: 44.

(216)

وأهل التأويل خاضوا في محكمها ومتشابهها، ومجملها ومفصلها، وناسخها ومنسوخها.
وأهل النحو بسطوا الكلام في تصانيفهم بسطا فكل أنفق على قدر ما رزق، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه شمر ذيله وادرع ليله (3) في بيان وجه الاعجاز على التفصيل سورة فسورة وآية فآية، فابتدأ مثلا بفاتحة الكتاب فكشف عن وجه الاعجاز في ثلاث آيات منها، ثم ترقى إلى ثلاث آيات اخر فكشف عنها أيضا وجه الاعجاز إلى أن ينتهي إلى آخرها، مع شدة الحاجة إلى ذلك في كل زمان، إذ حجة الله تعالى قائمة، ومعجزته على وجه الدهر باقية.
وكذلك لم ينقل أنهم صنفوا في هذا الباب على هذا الوجه تصنيفا مع تهالكم وولوعهم، والعجب أنهم صنفوا في حلي الصحابة والتابعين وهيئاتهم، فذكروا الطوال منهم والقصار، ومن ابتلي منهم بالعمى والعور والعرج والعجمة والزمانة والشلل، مع أن بالخلق مندوحة وغنية عن ذلك.
وهذا أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4) صنف كتبا في الجد والهزل تكاد لا تعد ولا تحصى، فصنف كتابا سماه «القعرة والشفرة» (5) وآخر سماه «مفاخرة الشتاء والصيف» إلى أشباه هذا كثيرة، صعد فيها وصوب، وشرق وغرب،

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير