تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[16 - 11 - 2005, 03:19 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..

الأخت الفاضلة معالي - حفظها الله ..

قولكم: فهل كان أحبار يهود ورؤساؤهم على غير علم بسنن العرب وطريقتهم في قول الشعر؟!! أم ما الذي دعاهم لقول ما قالوه؟

بلى .. ولقد نعلم كثيراً من شعرائهم من الذين نكثوا عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن الجوار، مثل كعب بن الاشرف والربيع بن الحقيق ومرحب اليهودي .. ولكن اتهامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر وأن القرآن شعر، كان الغرض منه ادعاء أن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا حقيقة له، بل هو مجرّد تخيّلات وأوهام - كما هو الحال في الشعر الجاهلي ..

فمن طبيعة الشعراء المغالاة والعاطفية وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إذ هم يتصفون بالغلو والمبالغة ومجانبة الصواب في أكثر شعرهم .. وقد قيل بأن أعذب الشعر أكذبه، والكذب صفة ذميمة برأ الله رسوله الأمين الصادق منها .. ولو كان الرسول شاعراً كما ادعوا لنسب العرب بلاغته الكبيرة في تبليغ الدعوة إلى ملكة الشعر أو شيطانه، ولأصبحوا مصيبين باتهامهم محمداً صلى الله عليه وسلم بالشعر ..

وهذا هو دأب يهود في بثّ الشكوك بقصد زعزعة ثقة المسلمين الناشئين بالإسلام .. ولا يُستغرب ذلك منهم .. فهم قوم بهت وأهل غدر وخيانة .. والمؤامرات التي حبكها يهود ضدّ الإسلام منفردين أو بالتعاون مع المشركين أو بالاتفاق مع المنافقين كثيرة ..

قولكم: ثم ما الذي جعل بعض العرب يتابعونهم في ما قالوا ويتعلقون به؟! أهو جهلٌ منهم (وهذا ما لا أظنه!)؟ أم ماذا؟!

يقول تعالى جدّه في سورة الطور: " فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ".

فنلاحظ من هذه الآيات أن القرآن الكريم يسجّل على مشركي العرب جُرماً بعد جُرم في تساؤله: ما الذي دعاهم إلى تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ والجواب على هذا التساؤل جاء في ثلاثة استفهامات:

(أم تأمرهم أحلامهم)؟ (أم هم قوم طاغون)؟ (أم يقولون تقوّله)؟

فعرضت هذه الآيات ثلاث علل بصدور هذا القول منهم على ما بينه من تناقض. فقد وصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث أوصاف: الكهانة - الجنون - الشاعرية. وهي أوصاف لا تجتمع في موصوف واحد، لأن الكاهن والشاعر لا يكونان مجنونين، والمجنون لا يكون كاهناً ولا شاعراً، والشاعر لا يكون كاهناً، والكاهن لا يكون شاعراً. فكيف ساغ لهم أن يصفوا الرسول الكريم بهذه الأوصاف؟

ويجيب القرآن نفسه قائلاً: إن السبب في ذلك هو طغيانهم وكرههم، ولو كانوا عدولاً مؤمنين لحماهم الإيمان ومقتضياته من التورط في هذه الورطة التي إنما تدلّ على جهلهم المركب ..

فقد أسند الأمر أولاً إلى الأحلام، وأياً كان التصوير البلاغي في هذا التعبير فسرّه تهويل شدّة التأثير عليهم. ثم انتقل ثانياً إلى تقرير طغيانهم ومجاورتهم الحد في الظلم لأنفسهم. ثم انتقل مما تقدّم إلى تقرير أن سبب كفرهم التولّي، وهذيان الذاهب عقله، وهو عدم إيمانهم القلبي ..

قولكم: إن رأيتم أن ذلك منهم كان مكابرةً!! فكيف قالوا بذلك رغم علمهم أنه لا يخفى على من يستمع إليهم أن ذلك ليس بحق .. هل كان ذلك استغفالا منهم لأتباعهم وعدم اعتبار لعقولهم؟! ألم يخشوا أن يفارقهم أتباعهم إلى دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم جرّاء هذه البلبلة المضحكة؟!!

يقول تعالى: " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ". فالله تعالى يخبر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن المشركين لا ينسبون الكذب إليه، ولكنهم جاحدون مكابرون. فهم يعاندون الحقّ ويدفعونه بصدورهم، كما قال سفيان الثوري عن ناجية بن كعب بن علي، قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنّا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله " فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ".

وقد اعترف بذلك العدو الألدّ أبو جهل، فقد سأله الأخنس: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يسمع كلامنا؟ فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قطّ، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فهل بعد هذا عناد ومكابرة؟

ومن ثم - أختي الكريمة - فإن حيرة العرب في اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بالشعر أولاً، وتسليمهم بإعجاز القرآن ثانياً أمر معروف .. ولا أظن أن خبر الوليد بن المغيرة عليك ببعيد .. فحين اجتمع إليه نفر من قريش ليجمعوا على رأي واحد يصدرون عنه يقولونه للناس في الموسم، فقال بعضهم كاهن وقال بعضهم ساحر وقال بعضهم مجنون وقال بعضهم شاعر .. فكان يردّ هذه الأقوال ويفندها، ثم قال: والله إن قوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وما أنتم بقائلين شيئاً من هذا إلا عرف أنه باطل وأن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته .. فتفرّقوا عنه بذلك .. فكانت مقولتهم التي أجمعوا عليها: (سحر يؤثر)! وقد علموا أن وصفهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالساحر والكاهن والشاعر لا يغنيهم من الحق شيئاً ..

والله أعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير