وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى الخير، فقد كانوا سباقين في دراسة القرآن وتفهم معانيه والعمل بما فيه وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه (أنهم كانوا يتعلمون من القرآن عشر آيات لا يغادرونهن إلى غيرهن إلا بعد أن يتقنوا ما فيها من العلم والعمل).
وقد أعانهم على فهم معاني القرآن توقد أذهانهم وصفاء سرائرهم وطهارة وجدانهم وعمق فهمهم مع ما يتصفون به من ملكة في البيان تعينهم على الفهم.
وقد كان يترك لهم النبي عليه الصلاة والسلام حرية فهم الآية بعد أن وضع لهم القواعد والأسس التي يسيرون عليها في فهم الآيات.
و النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم يرجعون إليه فيما أشكل عليهم من ألفاظ الكتاب فيفصل لهم المجملات التي يقتضي الحال تفصيلها ويضع بين أيديهم القواعد التي تمكنهم من فهم سائر القرآن بالرجوع إليها فلذلك كان أصحابه رضي الله عنهم أعلم الناس بمعاني القرآن وبمجمله ومفصله وناسخه ومنسوخة ومطلقه ومقيدة وخاصة وعامه.
ومع هذه الميزة التي يمتازون بها فإن كثيرا وقفوا هيابين أمام القرآن ولم يتجرأوا على الخوض في معانيه ولم يكد يذكر عنهم شئ من تفسيره ‘لا النزر اليسير، لأنهم يحذرون التقول على الله بغير علم خشية الدخول في الوعيد الشديد الذي جاء به قول الله تعالى
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف\33)
ومن هؤلاء الخلفاءالراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم آجمعين - فقد ذكر عن الصديق أنه سأله سائل عن "الأب " في قوله تعالى:
(وفاكهة وأبا) (عبس/31)
فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني وأين أذهب وماذا أصنع أن قلت في كتاب الله بغير ما أراد الله.
ولكن علماء المسلمين قد وقعوا في أختلاف من حيث القدر الذي فسر به النبي عليه الصلاة والسلام القران:
ـ فمنهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه كلّ معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه وهو رأي ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير صـ 35
ـ ومنهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يبين لأصحابه من معاني القرآن إلا القليل وهو رأي الخويبي، نقله السيوطي في الإتقان 2/ 174
ـ ومنهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بين الكثير من معاني القرآن لأصحابه، ولم يبين كل المعاني؛ لأن من القرآن ما استأثر الله بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما يعلمه العرب من لغاتهم، ومنه ما لا يعذر أحد في جهالته
وهذا رأي الذهبي في (التفسير والمفسرون 1/ 53)
ولكنهم متفقون جميعا في أن النبي عليه الصلاة والسلام بين القرآن ولكن أختلافهم في القدر الذي بينه.
هذا والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـ[سليم]ــــــــ[21 - 12 - 2005, 12:00 ص]ـ
السلام عليكم
اخرج البزاز عن عائشة , قالت:" ما كان رسول اللّه (ص) يفسر شيئا من القرآن الا آيا بعدد, علمه اياهن جبريل "
فهذا يدل على انه (عليه الصلاة والسلام) لم يبين سوى البعض القليل , و سكت عن البعض الاخر.
وكما تقدم أخي ابو سنان بان: (منهم من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه كلّ معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه وهو رأي ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير صـ 3).
ما اجسر على القول في القرآن بما ليس حق (معاذ الله) ,ولا في حق الرسول الكريم, ولكن كما ذكر أخي ابو سنان بأن الله عزوجل قد قال في كتابه العزيز:"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "النحل44
,فهذا يدل على انه عليه الصلاة والسلام قد بين للمسلمين القرآن الكريم, ولكن لم يصلنا الى النذر القليل, وذلك لعدة اسباب اهمها انهم كانوا (أي الصحابة) على قدر عالي من معرفة اللغة العربية واساليب بلاغتها, وكانوا يكتفون بما يفسر لهم النبي ولا يسألونه الا فيما استعصى عليهم من أخبار ومبهمات, وهذا واضح من طريقة تطبيقهم لأحكام الاسلام وتعلم ايات القرآن فلا ينتقلون من اية الى غيرها حتى يفهمونها حق الفهم والتطبيق, وكذلك وجود كثير من اهل بيته وأصحابه ممن أشتهر بتفسيره للقرآن (مثل ابن عباس, الذي لُقب بترجمان القرآن) ,فهم اسمى من أن يفسروا برأيهم, فتفاسيرهم نُقلت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وماالسنة الا تفسيرًا للقرآن, فقد كان قوله عليه الصلاة والسلام: ((صلوا كما رايتموني اصلي)) شرحا و بيانا لما جا في القرآن , من قوله تعالى: (اقيمواالصلاة) و لقوله: (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) و كذا قوله (ص): ((خذوا عني مناسككم)) بيان و تفسير لقوله تعالى: (و للّه على الناس حج البيت) , و هكذا فكل ماجا في الشريعة من فروع احكام العبادات و السنن و الفرائض , و احكام المعاملات , و الانظمة و السياسات ,كل ذلك تفصيل لما اجمل في القرآن من تشريع و تكليف.
قال علي رضي الله عنه: و ليس كل اصحاب رسول اللّه كان يساله و يستفهمه , حتى كانوا ليحبون ان يجي الاعرابى او الطارئ فيساله حتى يسمعوا قال: و كان لا يمر من ذلك شي الا سالت عنه وحفظته.
و عن حسان بن عطية قال: كان الوحي ينزل على رسول اللّه (ص) ويحضره جبرئيل بالسنة التي تفسر ذلك وعن مكحول قال: ((القرآن احوج الى السنة من السنة الى القرآن)) , و قال يحيى بن ابي كثير: ((السنة قاضية على الكتاب و ليس الكتاب بقاض على السنة)) , قال الفضل بن زياد: سمعت احمد بن حنبل ـ و سئل عن هذاالحديث الذي روي ان ((السنة قاضية على الكتاب)) ـ فقال: ما اجسر على هذا ان اقوله , و لكني اقول: ان السنة تفسر الكتاب و تبينه.
والله اعلم, واللهم غفرانك إن ضللت!
¥