تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اعتداد به أصلاً، وتقول أخرى: هذا شيء، تريد: شيءٌ له قَدْرٌ وخَطَر، وتجرِي لك هذه الوجوه في أسماء الأجناس كلها تقول: هذا هو الرجل ومَنْ عَداه فليس من الرجولية في شيء، و هذا هو الشعر فحسب، تبالغ في التفضيل، وتجعل حقيقة الجنسية مقصورةً على المذكور، وتقول: هذا رجلٌ تريد: كاملٌ من الرجال، لا أن مَنْ عَدَاه فليس برجل على الكمال، وقد تقول: هذا إمّا لا، رَجلٌ، تريد: يَستحقّ أن يُعَدَّ في الرجال، ويكون قصدُك أن تشير إلى أنّ هناك واحداً آخرَ لا يدخل في الاعتداد أصلاً ولا يستحق اسم الرجل، وإذا كان هذا هو الطريقَ المَهْيَع في الوَضْع من الشيء وتركِ الاعتداد به، والتفضيل له والمبالغة في الاعتداد به، فكل صفتين تضادّتا، ثم أُريد نَقص الفاضلة منهما، عبّر عن نقصها باسم ضدّها، فجُعلت الحياة العارية من فضيلة العلم والقدرة موتاً، والبصر والسمعُ إذا لم ينتفع صاحبهما بما يَسْمَع ويُبْصِر فلم يَفْهم معنى المسموع ولم يعتبر بالمُبصر أو لم يعرف حقيقته عمًى وصَمَمَاً، وقيل للرجل: هو أعمى أصمُّ، يراد أنه لا يستفيد شيئاً مما يسمع ويُبصر، فكأنه لم يسمع ولم يبصر، وسواءٌ عبّرت عن نقص الصفة بوجود ضدّها، أو وصفِها بمجرَّد العدم، وذلك أنّ في إثبات أحد الضدّين وصفاً للشيء، نفياً للضدّ الآخر، لاستحالة أن يوجدا معاً فيه، فيكون الشَّخص حيّاً ميّتاً معاً، أصمَّ سمعياً في حالة واحدة، فقولك في الجاهل: هو ميّت، بمنزلة قولك: ليس بحيّ، وأن الوجود في حياته بمنزلة العَدم. هذا هو ظاهر المذهب في الأمر والحكم إذا أُطلق القولُ، فأما إذا قُيِّد كقوله: "أَصَمُّ عَمَّا سَاءَه سَمِيعُ" فَتُثْبَتُ له الصفتان معاً على الجملة، إلاّ أن مرجع ذلك إلى أن يقال إنه كان يفقد السمع في حال ويعود إليه في حال أو أنه في حقّ هذا الجنس فاقد الإدراك مسلوبه، وفيما عداه كائن على حكم السميع، فلم يثبت له الصمم على الجملة، إلاّ للحكم بأن وجود سَمْعه كالعدم، إلا أن ذلك في شيء دون شيء، وعلى التقييد دون الإطلاق، فقد تبيَّن أن أصل هذا الباب تنزيل الموجود منزلة المعدوم، لكونه بحيث لا يعتدُّ به وخلِّوه من الفضيلة، والطريق الثاني في شَبَه المعقول من المعقول: أن لا يكون على تنزيل الوُجود منزلة العدم، ولكن على اعتبار صفة معقولةٍ يُتصوَّر وُجودها مع ضِدّ ما استعرتَ اسمه، فمن ذلك أن يراد وَصْفُ الأمر بالشدة والصعوبة، وبالبلوغِ في كونه مكروهاً إلى الغاية القُصْوَى، فيقال: لَقِيَ الموت، يريدون لَقَي الأمر الأشدَّ الصعب الذي هو في كراهة النَّفس له كالموت، ومعلومٌ أنَّ كون الشيء شديداً صعباً مكروهاً صفةٌ معلومةٌ لا تُنافي الحياة، ولا يُمْنَع وجودها معه، كما يُمنَع وجود المَوت مع الحياة ألا ترى أن كراهة الوتِ موجودةٌ في الإنسان قبل حصوله، كيف وأكرهُ ما يكون الموت إذا صَفَتْ مشاعر الحياة، وخَصِبتْ مسارح اللذّات، فكلما كانت الحياةُ أمكن وأتمّ، كانت الكراهة للموت أقوى وأشدّ، ولم تخفَّ كراهته على العارفين إلا لرغبتهم في الحياة الدائمة الصافية من الشوائب، بعد أن تزول عنه هذه الحياة الفانية ويُدركهم الموت فيها، فتصوُّرُهم لذّة الأمْن منه، قلَّل كراهتهم له، كما أن ثقةَ العالم بما يُعْقِبه الدواءُ من الصحة، تُهوّن عليه مَرَارَته، فقد عبْرت ها هنا عن شدّة الأمر بالموت، واستعرته له من أجلها، والشّدةُ ومحصُولُها الكراهة، موجودة في كل واحد من المستعار له والمستعار منه فليس التشبيه إذَنْ من طريق الحُكْم على الوجود بالعدم، وتنزيل ما هو موجود كأنه قد خَلَعَ صفة الوجود، وذلك أن هذا الحكم إنما جرى في تشبيه الجهل بالموتِ، وجعل الجاهل ميّتاً من حيث كان للجهل ضدٌُّ يُنافي الموت ويضادُّه وهو العلم، فلما أردتَ أن تبالغ في نفي العلم الذي يجب مع نفيه الجهلُ، وجعلتَ الجهلَ موتاً لتُؤْيس من حصول العلم للمذكور، وليس لك هذا في وصف الأمر الشديد المكروه بأنه موت، ألا ترى أن قوله: لا تحسَبَنَّ المَوْتَ مَوْتَ البِلَى وإنما الموتُ سُؤالُ الرجالْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير