تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:32 م]ـ

(13)

الفرق بين التشبيه والتمثيل

وإذ قد عرفتَ الفَرْقَ بينن الضَّربين، فاعلم أن التشبيه عامٌّ والتمثيل أخصّ منه، فكل تمثيلٍ تشبيهٌ، وليس كلّ تشبيهٍ تمثيلاً، فأنت تقول في قول قيس بن الخطيم: وقد لاَحَ في الصُّبح الثريَّا لمن رَأَى كَعُنْقُودِ مُلاَّحِيَّةٍ حِينَ نَوَّرا

إنه تشبيه حسن، ولا تقول: هو تمثيل، وكذلك تقول: ابنُ المعتزّ حَسَنُ التشبيهات بديعُها، لأنك تعني تشبيهه المبصَرات بعضَهَا ببعض، وكلَّ ما لا يوجد الشبه فيه من طريق التأوّل، كقوله: كأنَّ عُيونَ النَّرْجِسِ الغضِّ حَوْلها مَدَاهِنُ دُرٍّ حَشْوُهنَّ عقيقُ

وقوله: وأرَى الثُّريّا في السَّماء كأنَّها قَدْ تَبَدَّت من ثِيابِ حِدَادِ

وقوله: وترومُ الثُّريا في الغُرُوبِ مَرَاما

كانكباب طِمِرِّ كادَ يُلقَى اللِّجَامَا

وقوله: قد انْقَضَتْ دَولَةُ الصيام وَقَد بَشَّرَ سُقْم الهِلالِ بِالعِيدِ

يتلو الثريا كفاغرٍ شَرِهٍ يفتح فاه لأكلِ عنقودِ

وقوله: لَمَّا تَعَرَّى أُفُقُ الضِّياءِ مثلَ ابتسام الشَّفَة اللَّمْياءِ

وَشمِطَتْ ذَوائِبُ الظَّلماءِ قُدْنا لِعين الوَحْش والظِّباء

داهيةً مَحذُورةَ اللِّقاءِ وَيَعْرِفُ الزَّجْر من الدُّعاءِ

بأُذُنِ ساقطةِ الأرجاءِ كوَرْدِةِ السَّوْسَنة الشَّهباءِ

ذَا بُرْثُن كمِثْقَبِ الحذَّاءِ ومُقْلةٍ قليلةِ الأقذاءِ

صافية كقطرةٍ من ماءِ

وما كان من هذا الجنس ولا تُريد نحو قوله: اصبر على مضَض الحسو دِ فإنّ صَبْرَك قاتِلُهْ

فالنَّارُ تأكلُ نَفْسَهَا إن لَمْ تَجِدْ ما تأكلُهْ

وذلك أن إحسانه في النوع الأول أكثر، وهو به أشهر. وكل ما لا يصحّ أن يسمَّى تمثيلاً فلفظ المثل لا يُستعمل فيه أيضاً، فلا يقال: ابن المعتزّ حسن الأمثال، تريد به نحو الأبيات التي قدّمتُها، وإنما يقال: صالح بن عبد القدُّوس كثير الأمثال في شعره، يراد نحو قوله: وإنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ في الصِّبا كالعُودِ يُسقَى الماءَ في غَرْسِهِ

حتَّى تراهُ مُورقَاً ناضراً بَعْد الذي أبصرتَ مِنْ يُبْسِه

وما أشبهه، مما الشبه فيه من قبيل ما يجري في التأوّل، ولكن إن قلت في قول ابن المعتز: فالنار تأكُلُ نَفْسها إن لم تجد ما تأْكُلُهْ

إنه تمثيل، فمثل الذي قلتُ ينبغي أن يُقال، لأن تشبيه الحسود إذا صُبِر وسُكِتَ عنه، وتُرك غيظُه يتردّد فيه بالنار التي لا تُمَدُّ بالحطب حتى يأكُلَ بعضها بعضاً، مما حاجتهُ إلى التأوُّل ظاهرة بيّنة. فقد تبيّن بهذه الجُملة وجهُ الفرق بين التشبيه و التمثيل، وفي تتبّع ما أجملتُ من أمرهما، وسلوكِ طريقِ التحقيق فيهما، ضربٌ من القول ينشَط له من يأْنَسُ بالحقائق

ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:34 م]ـ

(14)

فصل

اعلم أن الذي أوجب أن يكون في التشبيه هذا الانقسام، أنّ الاشتراك في الصفة يقع مرّةً في نفسها وحقيقة جنسها، ومرةً في حُكْمٍ لها ومقتضًى، فالخدُّ يشارك الورد في الحمرة نفسها وتجدها في الموضعين بحقيقتها واللفظ يشارك العسل في الحلاوة، لا من حيث جنسه، بل من جهة حكمٍ وأمرٍ يقتضيه، وهو ما يجده الذائق في نفسه من اللَّذَّة، والحالة التي تحصل في النفس إذا صادفت بحاسّة الذَّوق ما يميل إليه الطبع وَيَقَعُ منه بالموافقة، فلمَّا كان كذلك، احتيج لا محالة إذا شُبّه بالعسل في الحلاوة أن يبيَّن أنَّ هذا التشبيه ليس من جهة الحلاوة نفسها وجنسها، ولكن من مقتضًى لها، وصفةٍ تتجدَّد في النفس بسببها، وأنَّ القصد أن يُخبَر بأنَّ السامع يجد عندَ وقوع هذا اللفظ في سمعه حالةً في نفسه، شبيهةً بالحالة التي يجدها الذائق للحلاوة من العسل، حتى لو تمثَّلت الحالتان للعيون، لكانتا تُرَيان على صورة واحدة، ولَوُجدتا من التناسب على حدّ الحمرة من الخدّ، والحمرة من الورد، وليس ها هنا عبارة أخصّ بهذا البيان من التأوّل، لأن حقيقة قولنا: تأوّلتُ الشيء، أنك تطلّبت ما يؤُول إليه من الحقيقة، أو الموضعَ الذي يؤول إليه من العقل، لأن أوَّلتُ وتأوَّلتُ فَعَّلتُ وتَفَعّلتُ من آل الأمر إلى كذا يؤُول، إذا انتهى إليه، والمآل، المرجع وليس قولُ من جعل أوَّلتُ وتأَوَّلتُ من أَوَّل بشيء، لأن ما فاؤه وعينه من وضع واحد ككوكب ودَدَن لا يُصرَّف منه فعلٌ، وأوّل أفعلُ بدلالة قولنا: أوّلُ منه، كقولنا: أسبق منه وأقدم،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير