ولمناقشة رأي الفريق الثاني وعمدته رأي ابن زيد، فإن لفظة الفرقان هي من الألفاظ المشتركة التي لها عدة معانٍ، منها الفارق بين الحق والباطل ومن معانيها التوراة ومن معانيها ايضا القرآن. ويجب لفت النظر إلى الفارق بين لفظتي "الفرقان" و"يوم الفرقان"، فيوم الفرقان هو اسم مضاف يقصد به يوم بدر وهذا معنى شرعي سمى الله به معركة بدر فقط، ولم يسمي الله جميع انتصارات النبي عليه السلام أو انتصارات الأنبياء من قبله بأنها أيام فرقان. أما لفظة "الفرقان" فليست هي معركة بدر، وإنما أطلقت في المعاني الشرعية على كتاب التوراة أو على كتاب القرآن بشكل مخصوص.
ولفظة الفرقان هي من الألفاظ المشتركة، والألفاظ المشتركة -كما نعلم – يتحدد المعنى المقصود بها إما من السياق أو من القرائن. وبالرجوع إلى الآية موضع البحث وما قبلها وما بعدها في سورة الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50)) نجد أن السياق يتحدث عن الكتاب المنزل على موسى وهارون عليهما السلام وهو التوراة ثم الكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام وهو القرآن، ولا يتحدث عن نصر الله لموسى وهارون ومحمد عليهم السلام. وكذلك فإن الآية لا تذكر الاسم المضاف "يوم الفرقان" حتى يكون المقصود بهذه اللفظة المعنى الشرعي وهو يوم النصر في بدر والذي فرق الله فيه بين الحق والباطل، حتى يكون من الجائز لابن زيد أن يشبه يوم بدر بيوم نصر الله لموسى وهارون على فرعون.
وبهذا يكون رأي ابن زيد ومن تبعه من المفسرين مرجوحا والله أعلم ويكون الرأي الراجح أن الفرقان يقصد به هنا التوراة، كما في قوله تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)) ويسمى هذا عطف تفسير أو عطف الصفات بعضها على بعض. وأما رأي المفسرين الذين يعتبرون أن الواو زائدة ليست لها معنى فهو رأي مرجوح أيضا لأن كل زيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى.
فالفريق الذي يأخذ بأن لحرف الواو معنى، يهرب من الوقوع في اعتبار لا معنى للواو ليقع في هفوة اعتبار تفسير لفظة الفرقان بأنها النصر، والفريق الآخر الذي يفسر لفظة الفرقان بأنها التوراة يهرب من إعطاء الواو معنى إضافيا. والأولى والله أعلم بأن يؤخذ بكلا الأمرين الراجحين معا ويعمل بهما، بأن تعتبر لفظة "الفرقان" هي التوراة، وأن الواو لها معنى أضافته.
ما أود قوله حول تفسير هذه الآية من سورة الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)) أن التوراة هي الفرقان. فالفرقان هو أحد أوصاف التوراة وإذا اجتمع اللفظان افترقا وإذا افترقا اجتمعا. بمعنى أن اجتماعهما في سورة البقرة (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) يعطي للفظة الفرقان معنى إضافيا للتوراة فيصفها ويفسرها. وهذا من قبيل عطف الصفات على بعضها البعض. أما إذا وردت لفظة الفرقان وحدها فإنها تدل على التوراة أو القرآن من قبيل دلالة الالتزامية بذكر الصفة وإرادة الموصوف. وهنا ذكرت لفظة الفرقان منفردة فهي بذلك تعني وتدل على التوراة بوصفها فرقانا يفرق بين الحق والباطل.
ولكني لم أجد –حسب ما اطلعت- من حاول من المفسرين الجمع بين الأمرين، لذلك فقد حاولت الجمع بينها بالقول بوجود مضمر محذوف تقديره ""جعلناه" وهذا يؤيده القرآن في آيات متعددة. وذلك لما ورد في الآيات التالية:
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) الإسراء
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) السجدة
فيكون التقدير [ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان، وجعلناه ضياء وذكرا للمتقين].
فما قولكم أيها الإخوة
أدعو الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يؤتينا من لدنه علما
ولكم التحية
ـ[أبو سارة]ــــــــ[14 - 03 - 2006, 12:26 ص]ـ
الأساتذة الأفذاذ
جمال حسني الشرباتي
لؤي الطيبي
سليم
جزيتم خيرا على هذه الإشارات الملاح
زادكم الله علما وتوفيقا.
ولايفوتني أن أرحب بالأستاذ يوسف الساريسي، ونثني له بجزوى الخير على ما قدم، ونكرر الترحيب به معنا في منتديات الفصيح ونقول له: حللت أهلا ونزلت سهلا، على الرحب والسعة.
ـ[أبو حلمي]ــــــــ[14 - 03 - 2006, 11:18 ص]ـ
الأساتذة الأفذاذ
جمال حسني الشرباتي
لؤي الطيبي
سليم
جزيتم خيرا على هذه الإشارات الملاح
زادكم الله علما وتوفيقا.
ولايفوتني أن أرحب بالأستاذ يوسف الساريسي، ونثني له بجزوى الخير على ما قدم، ونكرر الترحيب به معنا في منتديات الفصيح ونقول له: حللت أهلا ونزلت سهلا، على الرحب والسعة.
في الفصيح وفي العقاب ـ أنت على ثغرة من ثغر الإسلام.
¥