تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولمناقشة رأي الفريق الثاني وعمدته رأي ابن زيد، فإن لفظة الفرقان هي من الألفاظ المشتركة التي لها عدة معانٍ، منها الفارق بين الحق والباطل ومن معانيها التوراة ومن معانيها ايضا القرآن. ويجب لفت النظر إلى الفارق بين لفظتي "الفرقان" و"يوم الفرقان"، فيوم الفرقان هو اسم مضاف يقصد به يوم بدر وهذا معنى شرعي سمى الله به معركة بدر فقط، ولم يسمي الله جميع انتصارات النبي عليه السلام أو انتصارات الأنبياء من قبله بأنها أيام فرقان. أما لفظة "الفرقان" فليست هي معركة بدر، وإنما أطلقت في المعاني الشرعية على كتاب التوراة أو على كتاب القرآن بشكل مخصوص.

أخي الفاضل:

صحيح أن لـ (يوم الفرقان) معنى شرعي سمّى الله به معركة بدر، ومع ذلك فإن كلمة (فرقان) لم تُطلق فقط على القرآن والتوراة بشكل مخصوص في كتاب الله العزيز. يقول الطبري: (الفرْقان) إنما هو (الفعلان) من قولهم: فرق الله بين الحقّ والباطل أي: فصل بينهما بنصره الحقَّ على الباطل، ((إما بالحجّة البالغة، وإما بالقهر والغلبة بالأيدِ والقوة)).

بل إن اختيار كلمة (فرقاناً) في قوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29] قُصد به شمولها وما يصلح للمقام من معانيها ..

فالمجيء بها نكرة أفاد الاستغراق، وقوله: (لَّكُمْ)، أشعر بأن هذا الفرقان إنما هو شيء نافع لهم .. ولذلك جاء في معناها أقوال عديدة:

قال ابن زيد وابن اسحاق: يجعل هداية في قلوبكم تفرّقون بها بين الحق والباطل.

وقال مجاهد: معناه يجعل لكم مخرجاً في الدنيا والآخرة.

وقال السدي: معناه يجعل لكم نجاة.

وقال الفراء: يجعل لكم فتحاً ونصراً وعزاً.

والظاهر أن المراد منه كل ما فيه مخرج للمؤمنين، ونجاة من التباس الأحوال وارتباك الأمور وانبهام المقاصد، فيؤول إلى استقامة أحوال الحياة، حتى يكونوا مطمئنّي البالِ منشرحي الخاطر ..

وذلك يستدعي - كما يقول ابن عاشور - أن يكونوا منصورين، غالبين، بُصراء بالأمور، كَمَلة الأخلاق سائرين في طريق الحقّ والرشد، وذلك هو ملاك استقامة الأمم ..

وإنما جاز أن تطلق كلمة (فرقان) على النصر أو النجاة أيضاً، لأنهما يفرقان بين حالين كانا محتملين قبل ظهورهما ..

والله أعلم.

ولفظة الفرقان هي من الألفاظ المشتركة، والألفاظ المشتركة -كما نعلم – يتحدد المعنى المقصود بها إما من السياق أو من القرائن. وبالرجوع إلى الآية موضع البحث وما قبلها وما بعدها في سورة الأنبياء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50)) نجد أن السياق يتحدث عن الكتاب المنزل على موسى وهارون عليهما السلام وهو التوراة ثم الكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام وهو القرآن، ولا يتحدث عن نصر الله لموسى وهارون ومحمد عليهم السلام.

أخي الفاضل:

إن أردنا الاستدلال بسياق الآيات، فنجد فيها كذلك من أوجه المناسبات ما قد يؤكّد على أن المقصود بـ (الفرقان) إنما هو نجاة موسى وهارون - عليهما السلام - ومن آمن معهما من فرعون وجنوده بتأييد من الله تعالى ونصره المؤزّر .. ولا بأس بأن نعرّج إلى وجوه المناسبة والنظام في آيات السورة حتى يتبلور الموضوع تماماً ..

فقد استهلّت السورة بالتنبيه على خطورة الغفلة وأهميّة الذكر، وبيّنت دور الأنبياء في تذكير الغافلين بخطورة غفلتهم، ودعوتهم للذكر والتذكر .. وأتبعت مواعظ وتنبيهات، تحرّك الغافلين من العباد إلى الاعتبار بها ..

ثم أخبر الله تعالى عن تعنّت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن الكريم، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه، فتارة يجعلونه سحراً، وتارة شعراً، وتارة أضغاث أحلام .. ولذلك طالبوا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بآية، كناقة صالح وآيات موسى وعيسى {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ?لاَْوَّلُونَ} [الأنبياء: 5].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير