لم يكن استدلال ابن زيد وغيره على النصر من (يوم الفرقان) فقط، وإنما استدلّوا على ذلك من قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة: 50] حيث روى الشوكاني عن ابن زيد أنه قال: الفرقان: انفراق البحر .. فيكون (الفرقان) هو النصر، لأنه فرق بين العدوّ والولي في الغرق والنجاة، وهذا القول نُسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
ولا أدري ما المانع من أن يكون النصر من معاني (الفرقان) في آية الأنبياء، أي النصر الذي فرق بين حال موسى وهارون ومن آمن معهما وحال آل فرعون بالنجاة والغرق .. والله تعالى يقول في موضع آخر: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} [الصافات: 114 - 117]؟ فقد منّ الله تعالى على موسى وهارون بالنبوّة، ومنّ عليهما بالنجاة من الكرب العظيم، ومنّ عليهما بالنصر المؤزّر، كما أنه سبحانه وتعالى منّ عليهما بالتوراة .. وهذا يناسب مجريات الأحداث في آية سورة الأنبياء.
والله أعلم.
وبهذا يكون رأي ابن زيد ومن تبعه من المفسرين مرجوحا والله أعلم ويكون الرأي الراجح أن الفرقان يقصد به هنا التوراة، كما في قوله تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)) ويسمى هذا عطف تفسير أو عطف الصفات بعضها على بعض. وأما رأي المفسرين الذين يعتبرون أن الواو زائدة ليست لها معنى فهو رأي مرجوح أيضا لأن كل زيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى.
أخي الفاضل:
من المعلوم أن العطف يكون من قبيل عطف الصفات التي يُشترط فيها اختلاف المعاني .. ولذلك فإن كون التوراة كتاباً يختلف عن كونها فرقاناً .. ولذلك اختلف النحاة والمفسرون في معنى (الفرقان) في آية سورة البقرة.
قال الزجاج: هو التوراة، ومعناه أنه آتاه جامعاً بين كونه كتاباً وفرقاناً بين الحق والباطل، ويكون من عطف الصفات، لأن الكتاب في الحقيقة معناه: المكتوب .. واختار هذا القول الزمخشري، وبدأ بذكره ابن عطية قال: كرّر المعنى لاختلاف اللفظ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل، ولفظة كتاب لا تعطي ذلك.
وقال الكسائي: الواو مقحمة، أي زائدة، و (الفرقان) نعت للكتاب، واستشهد بقول الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهمام ----- وليث الكتيبة في المزدحم،
أراد إلى الملك القرم ?بن الهمام ليث الكتيبة ..
وقد ضعّفه أبو حيان، قال: إنما قوله: وابن الهمام وليث: من باب عطف الصفات بعضها على بعض، ولذلك شرط، وهو أن تكون الصفات مختلفة المعاني.
وهذا الذي رجّحه ابن عاشور، قال: والظاهر أن المراد به هنا المعجزة أو الحجّة لئلا يلزم عطف الصفة على موصوفها إن أريد بالفرقان الكتاب الفارق بين الحق والباطل، والصفة لا يجوز أن تتبع موصوفها بالعطف، كما نبّه عليه أبو حيان.
وهذا الذي ذهب إليه أيضاً الدكتور فضل حسن عباس في (لطائف المنّان وروائع البيان)، قال: " فالعطف إما أن يكون من قبيل عطف الصفات التي يُشترط فيها اختلاف المعاني، لأن كونه كتاباً يختلف عن كونه فرقاناً. هذا ما ذكره المفسّرون ولا مانع عندي أن يكون من عطف الذوات، وأن يُقصد بالفرقان ما أوتيه الكليم - عليه السلام - من المعجزات التي من شأنها أن تفرق بين الصادق والكاذب ".
وهذا أمر واضح وجليّ، فإن قولك: رأيت زيداً والعالم، فيه عطف الصفة التي للذات على الذات. فإذا كان العالم صفة لزيد، فالعطف مشعر بالتغاير، ولا يحسن مثل هذا التخريج في كلام الله، وثم حمله على ما تقتضيه الفصاحة والبلاغة.
والله تعالى أعلى وأعلم ..
أدعو الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يؤتينا من لدنه علما
آمين
بارك الله فيك وجزاك خيراً على هذا الجهد العظيم ..
وبانتظار تعقيبكم إن شاء الله تعالى
ودمتم
ـ[سليم]ــــــــ[17 - 03 - 2006, 02:00 ص]ـ
السلام عليكم
الفرقان ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم في ست ايات ,الاولى والثانيه في سورة البقرة:1. "وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) ,
2." شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185).
3. "مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4) /آل عمران.
4." وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) /الانفال.
5." وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ (48) /الانبياء.
6." تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) /الفرقان.
والملاحظ ان ايتين فقط قُرنت فيهما التوراة باقترانهما بموسى وهارون عليهما السلام ,وثلاث آيات قُصد به القرآن ,والآية من سورة الانفال تدل دلالة واضحة على ان المقصود هو يوم النصر (يوم بدر) ,حيث ذُكر الفرقان مضافًا ليوم (يوم الفرقان) ,وهذا بدوره يدل ايضًا على ان الفرقان فيما عدا آية الانفال هو التوراة او القرآن الكريم.
وهذه هنا لطيفة حيث ان الله عز وجل وصف القرآن الكريم بالفرقان والضياء والذكر كما وصف التوراة.
¥