تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما ما ذكرت من تفريق بين ما أوتيه الأنبياء بأنه منير وما يؤتى الناس فهو نور، فقد وجدت أن القرآن يذكر أيضا أن ما أوتيه الأنبياء بأنه نور أنظر قوله تعالى في سورة الأعراف (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) فالنور هنا هو القرآن. وكذلك في سورة التغابن: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) فالنور الذي نزل على محمد عليه السلام والذي أوتيه هو القرآن. لذلك لا أرى وجها للتفريق الذي ذكرته بأن ما أوتيه الأنبياء بأنه منير وما يؤتى الناس فهو نور لأن كلاهما نور.

لذلك أرى أنه يجوز أن يكون ما يؤتى الناس من آيات كتاب الله هو نور وضياء ولا أرى ما يمنع من ذلك. ورأيك الذي أحترمه بشأن التفريق بين الضياء والنور لا تسنده اللغة ولا الشرع ولا يصلح لأن يكون دليلا على عدم جواز تفسير الفرقان بأنه التوراة وأن الضياء هو كالنور وهو ما ينتفع به المؤمنون بالتوراة والقرآن. حتى انظر إلى ما نقلته أخي لؤي عن ابن كثير في تفسير (وسراجا منيرا) أته فال كالشمس في إشراقها وإضاءتها فقد فسر المنير بأنه الإضاءة.

أخي لؤي، إني استشعر مما ذكرت في قولك "الضياء ينبعث من مصدر، وبعد سقوطه على الأجسام وانعكاسه عنها، فحينها يُسمّى نورا" وخصوصا تعبير سقوط الضوء وانعكاسه، التأثر بالمعاني العلمية للموضوع ومحاولة التأويل العلمي، وليس اللجوء إلى الدلالات اللغوية أو الشرعية للألفاظ والتراكيب. فأنا أقبل إذا تم التفريق بين الضياء والنور من ناحية الشدة أو من ناحية بعض الصفات كاللون، استنباطا من آيات الكتاب فيكون معنى الضياء والنور متقاربا وليس مترادفا، ولكن ليس من ناحية الانعكاس. فهذا قول مستحدث لا دليل عليه من اللغة ولا الشرع وأنا أفهمه حسب علوم اليوم وليس وفق علو اللغة والشرع.

أما أن يكون معنى الفرقان هو التوراة أو القرآن فهذا يؤيده القرآن في آيات كثيرة، ولم يرد معنى الفرقان في القرآن بمعنى النصر أو المعجزات. كذلك وبتتبع جميع الآيات في القرآن والتي ذكرت لفظة آتينا وجدتها اقترنت بألفاظ كثيرة تزيد عن 23 لفظة لم أجد ولو لمرة واحدة أنها اقترنت بلفظة النصر بتقدير [آتينا النصر] , لذلك لا أرى أن من المستساغ أن يقال أن معنى الفرقان هو النصر ليكون التقدير [وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ النصر وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ].

وألفت النظر إلى أن هناك فرق بين ورود لفظة "فرقان" نكرة أو معرَّفة، فما ذكرته من إفادة لفظة "فرقان" للاستغراق هو صحيح، فاللفظة عندما تأتي نكرة تفيد الاستغراق ولكن علينا أن ننتبه أنها يجب أن تكون نكرة أما عندما تأتي معرفة فإنها تكون للعهد. فورود لفظة فرقان نكرة يختلف عن ورودها معرفة بألـ، فعندما تأتي نكرة فهي تستغرق جميع المعاني المحتملة في اللغة ومنها النصر الحاسم والحجة الفارقة. أما عند سماع لفظة "الفرقان" وهي معرفة بألـ، فينصرف الذهن مباشرة إلى المعنى المعهود للفرقان وهذا ينحصر في معنيين وهما القرآن أو التوراة ليس غير.

وكون لفظة الفرقان في هذه الآية وردت معرفة بألـ وذكرت موسى فهي لا تحتمل أن تفيد أي معنى آخر غير المعنى المعهود لهذه اللفظة وهو التوراة، فلا يمكن القول بأنها تفيد أي معنى آخر غير التوراة. وذلك كقول الأستاذ لتلميذه في الصف المدرسي: أعطني الكتاب. فلا يمكن أن ينصرف المعنى هنا إلا للكتاب المعهود المقرر في المدرسة ويعرفه الطالب والأستاذ كليهما ولا يقصد به مطلق كتاب. والعربي الذي كان يسمع هذه الآية من سورة الأنبياء وهذا التركيب فلا يُتَصوَّر أن ينصرف ذهنه إلى معاني بعيدة عن المعنى المعهود وهو التوراة حتى يذهب إلى القول بمعاني لغوية محتملة يأباها السياق كالنصر والحجة!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير