أما قولك بأن "في سياق الآيات من سورة الأنبياء من أوجه المناسبات ما قد يؤكد على أن المقصود بـ (الفرقان) إنما هو نجاة موسى وهارون ونصر الله لهما". فأقول أن السورة رغم أن اسمها سورة الأنبياء وذكرت قصص الكثير من الأنبياء ولكنها لم تذكر مطلقا قصة سيدنا موسى عليه السلام، وعادة القرآن أنه لا يعطي عبرة معينة ألا بعد ذكر قصتها، ولا يذكر منَّ الله على قوم إلا بعد ذكر النعمة، فكيف يستقيم أن يكون معنى الفرقان في هذه الآية بمعنى المن على موسى بالنصر في حين لم تذكر قصة موسى عليه السلام في السورة أصلا!
كذلك انظر إلى قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50)) وركز على الآية الأخيرة "وهذا ذكر" وكأن السياق يشير إلى مقارنة بين التوراة والقرآن، بأن ذاك أي التوراة فرقان وضياء وذكر، وهذا القرآن ذكر مبارك. ويستنكر على الكفار إنكار القرآن من خلال هذه المقارنة. لذلك لا أرى انسجاما في السياق القرآني إلا بأن يكون معنى الفرقان هو التوراة.
أما قولك أن ابن زيد يفسر الآية 50 من سورة البقرة بأن الفرقان هو انفراق البحر فإني ألفت النظر إلى ما ورد في سورة الشعراء: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) فقد سمى الله انفراق البحر بـ "فِرْق" وليس "فرقان" كما يحب ابن زيد رحمه الله أن يفسره. ورد في لسان العرب: و انْفَرَقَ الفجرُ وانْفَلَقَ، قال: وهو الفَرَقَ والفَلَقُ للصبح. أما "الفرقان" فهو من الفُرْق بضم الفاء وتسكين الراء والفُرْقان على وزن فعلان: كالخُسْر والخُسْران. لذلك لا يصح أن يسمى انفراق الشيء أي انفلاقه فرقانا بل يسمى فِرْق بكسر الفاء وسكون الراء. أما بين شيئين فيسمى فَرَقْتُ بينهما فَرْقةً و فُرْقاناً.
وخلاصة ما أراه والله أعلم أن معنى الفرقان هو التوراة فقط، وسامحني بأن أقول لك بأن الاعتماد على التفريق بين الضياء والنور من ناحية العلم والذي على أساسه رفضت أن يكون الفرقان هو التوراة لا تسنده لا اللغة ولا المعاني الشرعية وإنما هو تفسير علمي قد يصح وقد لا يصح، ولكنه على فرض صحته لا يلزم تفسير نص القرآن بهذا التأويل العلمي، لأن ذلك من قبيل الظن بأن يكون معنى النور هو سقوط الضياء على الأجسام وانعكاسه عنها.
وأنا ما زلت عند رأيي بأن الفرقان هو التوراة وأن التقدير للآية هو [ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان، وجعلناه ضياء وذكرا للمتقين] لما ذكرت لك أعلاه وما ذكرته في المداخلات والإجابات السابقة مع الأخ جمال.
أرجو أن يكون ما أجبت به منيرا لبصائر الجميع وضياء لأبصارهم وأبصارنا.
بارك الله فيكم جميعا وزادكم وزادنا من لدنه علما.
هذا والله أعلم
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[19 - 03 - 2006, 10:38 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الأستاذ يوسف - رفع اللهُ قدرَه، وألْبسَه تاجَ الحُلل ..
لقد والله أمتعتنا بمائدة شهيّة من المعارف ..
ولا أخفيك - أخي الفاضل - أن شمس سعادتي قد أشرقت بوجود أهل العلم من أمثالك بيننا ..
والله الكريم المنّان أسأل أن يبارك فيك أينما كنت، وأن ينفعنا بعلمك ..
والذي يبدو لي من ردّكم الكريم - أخي الفاضل - أنني لم أحسن صياغة الموضوع، فظننتَ أن التفريق بين الضياء والنور لا تسنده اللغة ولا الشرع، حتى استشعرتَ أنه مجرّد قول مستحدث من تفاسير علمية مجرّدة ..
فأمهلني بعض الوقت حتى أعيد صياغة الموضوع من جديد ..
عسى الله أن ينفع بتدبّرنا ..
مع كل الودّ والتقدير
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[20 - 03 - 2006, 10:06 م]ـ
لكم كل تشجيع وتقدير.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[21 - 03 - 2006, 10:55 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أسأل الله العظيم أن لا نكون من الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان مبين .. وأن يجعل تدبّرنا خالصاً لوجهه الكريم ..
وحتى يكون الكلام متّسقاً والبحث متكاملاً، أعددت خطّة للبحث تقوم على المباحث الآتية:
المبحث الأول: مقدمة لابدّ منها.
المبحث الثاني: الفروق اللغوية بين الضياء والنور.
¥