المبحث الثالث: الضياء والنور في اصطلاح العلم الحديث.
المبحث الرابع: الضياء والنور في مباحث وكتب الإعجاز.
المبحث الخامس: الضياء والنور في الحديث النبوي الشريف.
المبحث السادس: خلاصة القول في الضياء والنور.
المبحث السابع: الكشف عن سرّ استخدام القرآن للضياء في وصف التوراة.
المبحث الثامن (يتبع)، وفيه: تعليق على ما جاء في كلام الأخ يوسف الساريسي.
المبحث الأول: مقدّمة لابدّ منها:
قبل أن أعلّق على ما جاء في كلام الأخ يوسف – حفظه الله – رأيت أن أبيّن أموراً لابدّ من الوقوف عندها وتوضيحها، وأوجزها في اقتباسات من أقوال بعض أهل العلم:
يقول ابن الأعرابي (ت 231هـ): " كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا عنه، وربما غمض علينا فلم نلزم العرب جهله " /1/.
وتابعه إلى هذا القول أبو العباس ثعلب (ت 291هـ) وابن الأنباري (ت 328هـ) وابن فارس (ت 395هـ). يقول الأخير: " ويُسمّى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو السيف والمهند والحسام، والذي نقوله في هذا: إن الاسم واحد، وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات. ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى ... قالوا: ففي (قعد) معنى ليس في (جلس)، وكذا القول فيما سواه، وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب " /2/.
وهذا ما ذهب إليه أيضاً أبو هلال العسكري (ت 400هـ)، يقول: " لعلّ قائلاً يقول إن امتناعك من أن يكون للفظين المختلفين معنى واحد ردّ على جميع أهل اللغة، لأنهم إذا أرادوا أن يفسّروا اللب، قالوا هو العقل ... قلنا ونحن كذلك نقول: إلا أنا نذهب إلى أن قولنا اللبّ وإن كان هو العقل، فإنه يفيد خلاف ما يفيد قولنا العقل " /3/.
ولقد وقف علماؤنا الأفاضل – رحمهم الله – عند مسائل كثيرة في الفروق اللغوية بين معاني الكلمات المتقاربة، وسجّلوا رأيهم في كثير منها، ومع هذا فإنهم لم يقفوا عند الجزئيات الدقيقة، فكان فيما بيّنوه تقريباً وليس تحقيقاً مدقّقاً.
وهذا ما أشار إليه لغويون وبلاغيون معاصرون، منهم الدكتورة عائشة عبد الرحمن – بنت الشاطيء – في كتابها (الإعجاز البياني للقرآن الكريم)، والدكتور محمد عبد الرحمن الشايع في كتابه (الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم)، ومحمد نور الدين المنجد في كتابه (الترادف في القرآن بين النظرية والتطبيق)، والدكتور عبد الفتاح لاشين في كتابه (صفاء الكلمة في التعبير القرآني)، والدكتور فضل عباس في كتابه (إعجاز القرآن الكريم) وغيرهم.
حتى إن الدكتورة عائشة عبد الرحمن رأت نفسها ملزمة بالاعتراف في نهاية بحثها بقصورها عن لمح فروق الدلالة لبعض ألفاظ قرآنية تبدو مترادفة، فقالت: " ليس لي إلا أن أقرّ بالعجز والجهل وأنا أتمثّل بكلمة ابن الأعرابي: كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه فأخبرنا به، وربما غمض علينا فلم نلزم العرب جهله " /4/.
ومن هذه الأقوال يتّضح لنا أنه لا يوجد في القرآن الكريم لفظان معناهما واحد، ولا نلجأ إلى مثل هذا القول إلا عند العجز عن اكتشاف الفروق، مع عدم الجزم بما نفسّر به اللفظة القرآنية.
ولذلك أقول لأخي الفاضل يوسف إن استشهادك بأقوال بعض اللغويين للتدليل على أنه لا فرق بين الضياء والنور ليس بمحلّه، ولا يُعتبر حُجّة لك .. ولابدّ من البحث والتنقيب عن الفروق الدقيقة بين هذين اللفظين، حتى وإن عجز عن إدراكها السابقون ..
لا جرم أن أصحاب المعاجم اللغوية فسّروا كثيراً من الكلمات بمعنى واحد، والسبب في ذلك ما ذكرناه .. على أن كتب اللغة وكثيراً من كتب التفسير لم يكن من همّها أصلاً العناية بمثل هذه المقارنات، ولم يتنبّه أصحابها لهذه الظاهرة إلا في مواطن قليلة ..
وفيما يلي أورد بعض الفروق التي رأيتها مناسبة بين الضياء والنور من الناحية اللغوية أولاً، ثم فيما توصّل إليه العلم الحديث ثانياً، وكما جاء على لسان أشرف خلق الله أجمعين – صلى الله عليه وسلم - ثالثاً.
المبحث الثاني: الفروق اللغوية بين الضياء والنور:
¥