تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقوله {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} أي التكاليف الشاقة. وقوله تعالى {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} المراد به ما كُلف به بنو إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة ومن أصاب ذنباً أصبح وذنبه مكتوب على باب داره، ونحو ذلك من الأثقال والآصار التي فُرضت عليهم.

فالله سبحانه وتعالى فرض على بني إسرائيل تكاليف شاقّة، من ذلك قتل أنفسهم، إذا وقعوا في الكبيرة كقتل نفس بغير حق. وقطع اليد أو الرجل أو السراويل، إذا أصابها نجس. وفرض عليهم ربع أموالهم في حالة الزكاة. فكانت هذه الآصار عقوبات لهم لما فعلوه من قتل للأنبياء وخيانة عهد الله وأكلهم الربا وما إلى ذلك، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160 - 161].

وتشير الآية إلى أن الله سبحانه وتعالى كان قد أحلّ لهم الطيّبات، ولكنهم لما ظلموا وتعدّوا حدوده سبحانه حرّم عليهم تلك الطيبات عقاباً لهم. والقرآن الكريم يخبرنا أن هذه الآصار والأغلال لم تكن موجودة قبل نزول التوراة، قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]. وفي هذا دحض لزعم يهود بأن الله تعالى حرّم عليهم الطيبات قبل نزول التوراة.

إذن قبل نزول التوراة كان كل الطعام مباحاً لبني إسرائيل إلا ما حرّم يعقوب – عليه السلام – على نفسه. وبعد نزول التوراة حرّم الله عليهم كل ما فيه شبهة كبيرة، ككل ذي ظفر وكل ذي مخلب، كما وحرّم عليهم الطيّبات عقاباً لهم، بسبب ظلمهم وبغيهم وفسوقهم. فتكاليف التوراة التي أنزلت مع موسى – عليه السلام - لبني إسرائيل كانت شاقّة وثقيلة ومكبّلة بآصار وأغلال ..

ولمّا أراد الله تعالى أن يخفّف عنهم برحمته ورأفته من تلكم الآصار التي فرضها عليهم من قبل، بعث لهم أنبياء يتتالون لتعليمهم دينهم والأخذ على أيديهم من جهة، ولتخفيف الأثقال عنهم من جهة أخرى، وانتهى عهد أنبياء بني إسرائيل بعيسى - عليه السلام. فلمّا بعث الله تعالى المسيح ابن مريم - عليهما السلام - إلى بني إسرائيل أراد أن يخفف عنهم، فأحلّ لهم بعض اللحوم التي كانت محرّمة عليهم، وقيل حلّل لهم لحم الإبل وبعض الطيور، قال تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].

ولمّا بعث الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم – فجاء أيضاً بأمر من الله ليخفّف عنهم، قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].

قال عطاء: كان بنو إسرائيل إذا قاموا للصلاة لبسوا المسوح وغلوا أيديهم إلى أعناقهم، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة. وهذه من الآصار التي فرضوها على أنفسهم ظناً منهم أنهم ينفّذون أوامر الله. والواقع أنهم خالفوا أوامر الله وغلوا في دينهم غلواً كبيراً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفّف عنهم هذه المشقات وهم يعرفون أنه نبي آخر الزمان.

إذن بنزول التوراة حمل الله تعالى على بني إسرائيل إصراً ثقيلاً وكبّلهم بأغلال شديدة، فكانوا هم الوحيدين من بين القرون الغابرة الذين حملهم ربّ العزّة أموراً في غاية المشقّة والإرهاق، عقاباً لهم على ما قاموا به من قتل للأنبياء وأكلهم السحت والحرام وعدوانيتهم الدائمة على الآخرين وعلى أنفسهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير