وأما اعتبار أن لفظة ضياء هي حال للتوراة كما رجحت قول الزمخشري فيها، فيكون مقتضى كلام الزمخشري أن الواو في "وضياء" هي زائدة لا محل لها، وهذا مدار الخلاف في تفسير هذه الآية من بداية النقاش مع الأخ العزيز جمال الشرباتي. فلماذا إذن جاءت الواو بينهما ألم يكن من الأولى وفق هذا القول أن نقول أن لا حاجة للواو كما هو مذكور في أحد النقول عن ابن عباس رضي الله عنهما. إن اعتبار "ضياء" حال للفرقان والذي يقضي بكون الواو زائدة هو غير راجح.
والأولى الأخذ بتفسير أن الفرقان هو التوراة وأن الواو لها محل لأن كل زيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى، فما هو المعنى المزيد هنا؟
أما تقديرك للآية بأن فيها مضمرا محذوفا هو "وآتيناه به" يقتضي بأن ينسحب على الذكر أيضا فيكون تقديرك [وآتينا به ذكراً للمتقين]. فإن كان يصح هذا التقدير بالنسبة للضياء فهل يصح هذا بالنسبة للذكر أن تكون حالا! فما قولك أخي لؤي؟
لقد كنت قدرت سابقا أن الآية [ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان، وجعلناه ضياءً وذكراً للمتقين]، واعترضت أخي لؤي على ذلك بالقول "والسبب في ذلك أنني لم أجد في القرآن الكريم أن الكتب تُجعل (ذكراً)، وإنما يؤتى بها ذكر". ولكني وجدت القرآن قد استخدم لفظة "جعل" مع لفظة "ذكر" في قوله: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) في سورة الواقعة. وبالتالي يجوز اقتران جعلنا مع الذكر.
لقد كنت سابقا في نقاشي مع جمال، قد ذكرت أن أحد الأوجه في التفسير هو أن في الجملة محذوفا تقديره "ليكون". وبالتالي تصبح الجملة وكأنها [ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان، وليكون ضياء وذكرا للمتقين]. ويكون إعراب لفظة ضياء أنها منصوبة على اعتبار كونها خبر كان. ويؤيد هذا قوله تعالى في سورة الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
وخلاصة القول؛ أن التفسير الراجح للفرقان أنه "التوراة" وهي ضياء أي نور شديد. وأن للواو معنى أضافته ولذلك يجب تقدير محذوف كي ينسجم الكلام. وقد نختلف في تقدير المضمر المحذوف هذا فأنا قد قدرته "جعلنا" أو "ليكون" أو غيرها من المحذوفات، والتي تنصب كلمة ضياء وتجعل معنى الكلام أقرب إلى الصواب. فالقضية هي في تقدير المحذوف الذي يجعل الكلام متسقا مع السياق وينصب لفظة "ضياء".
وأكرر شكري لك على نزاهتك وتوخيك الحق وتواضعك، وجعل الله ذلك في ميزان حسناتك، إنه سميع مجيب.
هذا والله أعلم وعليه التكلان
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 03 - 2006, 11:17 م]ـ
السلام عليكم
أخي الفاضل يوسف - أطال الله بقاءك
قولك: " أما تقديرك للآية بأن فيها مضمرا محذوفا هو "وآتيناه به" يقتضي بأن ينسحب على الذكر أيضا فيكون تقديرك [وآتينا به ذكراً للمتقين]. فإن كان يصح هذا التقدير بالنسبة للضياء فهل يصح هذا بالنسبة للذكر أن تكون حالا! فما قولك أخي لؤي؟ "
كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا} [طه: 99]، وقوله: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2]، وكذلك في آية الشعراء (5) ...
وأما قولك حفظك الله: " لقد كنت قدرت سابقا أن الآية [ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان، وجعلناه ضياءً وذكراً للمتقين]، واعترضت أخي لؤي على ذلك بالقول "والسبب في ذلك أنني لم أجد في القرآن الكريم أن الكتب تُجعل (ذكراً)، وإنما يؤتى بها ذكر". ولكني وجدت القرآن قد استخدم لفظة "جعل" مع لفظة "ذكر" في قوله: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) في سورة الواقعة. وبالتالي يجوز اقتران جعلنا مع الذكر."
فإن القرآن الحكيم - أخي الكريم - لم يستخدم لفظة (جعل) مع لفظة (ذكر) ولفظة (ذكرى)، وإنما استخدمها مع لفظة (تذكرة) فقط، وذلك في آية سورة الواقعة، وفي قوله تعالى أيضاً في سورة الحاقة: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (12). وفرق بين هذه الكلمات الثلاث.
فمع أنها تشترك كلها في معنى عام واحد هو القرآن أو الكتب السماوية، وتدلّ على صفة من صفاتها (التذكير)، إلا أننا نجد بينها فرقاً تحدّده خصوصيات في المعنى أو في السياق.
فالفرق بين (تذكرة) وبين (ذكر) أن تذكرة آتية من فعل متعدٍّ لمفعولين أحدهما صريح والآخر عن طريق الباء، نقول: ذكّره يذكّره - هكذا ..
أما (ذِكر) فهي آتية من فعل متعدٍّ لمفعول به واحد، نقول: ذَكَرَ يَذكُرُ .. ذِكراً، ونقول: ذَكَرَ لهم أخبار القرون الأولى، فلا يكون في الجملة إلا مفعول به واحد.
وعلى هذا .. فإن قوله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} بدل اشتمال من جملة {أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ (72)}، أي أنّ إنشاء النار كان لفوائد وحِكماً، منها أن تكون تذكرة للناس يذكرون بها نار جهنم، ويوازنون بين إحراقها وإحراق جهنم التي يعلمون أنها أشدّ من نارهم.
ولا يصحّ ورود (ذكر) مكان (ذكّر)، ولا صيغة (ذِكر) مكان (تذكرة)، كما لا تصحّ أيضاً كلمة (التذكّر) مكان القرآن الكريم، لأنها من صفات القرآن وليست معنى مطابقاً للقرآن. وهكذا التقدير فيما وردت فيه من مواقع السياق الأخرى.
أما الفرق بين (تذكرة) وبين (ذكرى) فهي أن الأولى مصدر، أما الثانية فهي اسم مصدر. واسم المصدر لا يسدّ في الاستعمال الدقيق مكان المصدر، فكل منهما له سياقه الذي يجيء فيه.
ومن هنا يتضح أن بين هذه الكلمات الثلاث التي وردت صفاتٍ للقرآن الكريم ولغيره من الكتب فروقاً تأتيها إما من الفعل لازماً أو متعدّياً، وإما من نوع المصدرية كأن تكون مصدراً أو اسم مصدر، وإما من السياق الذي وردت فيه.
ولذلك أميل إلى التقدير: [ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان، وآتينا به ضياءً وذكراً للمتقين].
والله تعالى أعلم وردّ الأمر إليه أسلم ..
وبارك الله فيكم وبعلمكم ..
ودمتم ..
¥