تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالضرورة أنه أراد الاختلاط المعروف، وإنما قد يريد من ذلك أنه خلط في أحاديث يعنى وَصَلَ مُرْسلاً أو رَفَعَ موقوفاً أوقلب إسناداً أو أدخل حديثاً في آخر، فكل هذا من التخليط والمزج الخاطيء والذي يحتمله كلام الإمام أحمد، والأظهر أن أول من حمل كلام الإمام أحمد على الاختلاط المعروف هو ابن حجر في التقريب وتبعه الشيخ الألباني رحمها الله، وأما ابن حزم فكلامه في الفصل محتمل لهذا الفهم وليس صريحاً خصوصاً أنه يضعف سعيدَ بن أبي هلال تضعيفاً مطلقاً، والأصل أن كلام أئمة العلل والنقاد الكبار إنما يتفق ولا يختلف، فالذي يقوى عندي أن يُحْمَلَ كلام الإمام أحمد رحمه الله على ما ذكره أبوحاتم وأبوزرعة الرازيان رحمهما الله وأنه أراد: أي شيءٍ (بمعنى: من أين) تأتي الغرابة في بعض حديثه، فيُحدِّثُ بما لم نعرفه من حديث غيره من الثقات؟ وهذا الجواب أولى الوجوه في توجيه كلام الإمام أحمد رحمه الله وهو أولى من تضعيف هذه الرواية عنه مع ما فيها من الانقطاع، ولا يحصل بهذا الجمع اختلاف في كلام الإمام أحمد أو تناقض ويكون قوله موافقاً لكلام الأئمة النقاد.

وأما ما نقله ابن حزم في الفصل عن يحيى بن معين من قوله: (قد ذكره بالتخليط يحيى وأحمد بن حنبل)؛ فهذا جوابه ظاهر لا يخفى فيقال فيه: إن كلام ابن معين هذا في سعيد بن أبي هلال إنما يذكره ابن حزم وحده عن ابن معين ومن غير إسناد إلى ابن معين، ومعلوم أن نقل أمثال هؤلاء المتأخرين عن أئمة الجرح والتعديل يحتاج إلى إسناد لينظر به ومن ثم يحتج به، وهذا شأن الأئمة ممن ألف في الجرح والتعديل كابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وغيرهم إنما ينقلون أقوال أئمة الجرح والتعديل بالسند إليهم، فأن يأتي ابن حزم وينقل هذا القول عن ابن معين رحمه الله من غير خطام ولا زمام؛ مع ما ينضاف إلى هذا من كثرة خطأ ابن حزم في العلل والرجال وأحكامه على الرواة كما نبه عليه الذهبي في ترجمته في السير (18/ 202)، وابن عبد الهادي في مختصر طبقات علماء الحديث - نقله العلامة الألباني في الصحيحة 1/ 187، تحت ح91 - ، ويُضافُ إلى هذا أن هذا النقل ما ذكره أحد من أهل العلم الحفاظ عن ابن معين لا بسند ولا من غير سند، وإنما المعروف في هذا عن الإمام أحمد رحمه الله، فكل هذا يجعل الباحث يجزم بأن النقل في هذا عن ابن معين خطأ محض من ابن حزم لا يُلتفت إليه ولا يُقامُ له وزن.

فالخلاصة أن سعيد بن أبي هلال من ثقات الرواة من أئمة مصر وعلمائها العارفين بالحديث وحديثه محتج به لا خلاف بين العلماء في ذلك، ولاعبرة عند الحفاظ بقول ابن حزم في سعيد بن أبي هلال، وغاية ما يُؤخذ على سعيد بن أبي هلال هو تدليس الإسناد وإسقاط بعض الضعفاء تارة كما ذكره عنه أبوحاتم الرازي، وكذا يؤخذ عليه روايته عن بعض الوضاعين المتهمين كالمصلوب مع تدليس وإيهام في اسمه كما حكاه أبونعيم في الضعفاء، ولكن حتى هذا التدليس بنوعيه الإسناد والشيوخ إنما هو قليل جداً في تصرف سعيد بن أبي هلال، فعنعنته محمولة على السماع في الأصل إلا بقرينة تدلُّ على تدليسه.

بقي هنا بعد الفراغ من ترجمة سعيد بن أبي هلال وبيان حاله وبراءته من الضعف والاختلاط أن ننبه على أمور هامة تتعلق بسعيد بن أبي هلال، وهي:1 - قال ابن حجر رحمه الله في مقدمة الفتح: "شذَّ الساجي، فذكره في الضعفاء"ا. ه، وهذا كلام مُحقِّقٍ مستقريءٍ، فإنه لم يصنف أحدٌ سعيدَ بن أبي هلال في الضعفاء أو المجروحين أو من تكُلِّمَ فيهم إلا الساجي وحده، فلم يذكره البخاري في الضعفاء الصغير ولا النسائي ولا ابن حبان في المجروحين ولا ابن عدي في الكامل ولا العقيلي في الضعفاء ولا أبو نعيم ولا ابن الجوزي - مع تعنته في كتابه الضعفاء - ولا غيرهم من الأئمة الأعلام ممن ألَّف في هذا الفن وقفنا عليه أو لم نقف عليه، بل حتى من ألَّف على وجه الخصوص في المختلطين لم يتعرض لذكر سعيد بن أبي هلال مع المختلطين، فذكر ابن الصلاح رحمه الله في مقدمته في النوع الثاني والستين جملة صالحة من الثقات المختلطين ومع هذا لم يتعرض لذكر سعيد بن أبي هلال، ثم من بعده ممن ألَّف في هذا الفن كسبط ابن العجمي (المتوفى سنة841ه) وسماه: (الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط)، ومِن بعدِه ألَّف المحدث أبو البركات ابن الكيال الشافعي (المتوفى سنة 929ه) كتابه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير