تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: ولذلك نقل الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (9/ 36) عن يعقوب بن شيبة قال: سمعت ابن نمير يقول: «إنما أُتِيَ- يعني ابن إسحاق- من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة». اهـ.

قلت: وهذه القصة منها حيث حَدَّثَ فيها عن مجهولين فهي باطلة كما بينا آنفًا.

الطريق الثاني: وفيه علتان أيضًا:

العلة الأولى: سلمة بن الفضل:

أ- قال الإمام البخاري في كتاب «الضعفاء الصغير» رقم (149): «سلمة بن الفضل بن الأبرش سمع ابن إسحاق، عنده مناكير وفيه نظر». اهـ.

قلت: وهذا المصطلح عند البخاري له معناه، يظهر هذا من قول السيوطي في «تدريب الراوي» (1/ 349): «البخاري يطلق: فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه».

قلت: وبهذا يتبين أن سلمة بن الفضل متروك الحديث فلا يصلح حديثه للاحتجاج ولا المتابعات ولا الشواهد.

ب- قال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» رقم (241): «سلمة بن الفضل بن الأبرش: أبو عبد الله ضعيف، يروي عن ابن إسحاق المغازي».

جـ- أورده الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (4/ 135) وقال: «سلمة بن الفضل بن الأبرش الأنصاري مولاهم أبو عبد الله الأزرق، قال البخاري: عنده مناكير وهَّنه علي بن المديني قال علي: ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديثه، قال البرذعي عن أبي زرعة: كان أهل الري لا يرغبون فيه لمعان فيه من سوء رأيه وظلم فيه، وأما إبراهيم بن موسى فسمعته غير مرة وأشار أبو زرعة إلى لسانه يريد الكذب». اهـ.

قلت: ولذلك أشار الحافظ ابن حجر إلى سوء حفظه في «التقريب» (1/ 318): فقال: «كثير الخطأ». اهـ.

قلت: لذلك قال الحافظ العراقي في «فتح المغيث» (ص7): «من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك وإن كان عدلاً».

فانظر إلى الترابط الشديد بين قول الإمام البخاري: «فيه نظر» ومعناه وبين قول الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر.

العلة الثانية: الفضل بن غانم: أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/ 357) وقال: «الفضل بن غانم الخزاعي قال يحيى: ليس بشيء، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال الخطيب: ضعيف».

قلت: ومصطلح «ليس بشيء» يقوله يحيى بن معين في الكذابين والمتروكين، كذلك في أهل الغفلة والاضطراب الذين يُرد حديثهم، وفي المبتدعة والمقلين. كذا في «التهذيب» (1/ 509).

الطريق الثالث: وفيه أيضًا علتان:

العلة الأولى: الكلبي: أورده الإمام الذهبي في «الميزان» ترجمة (7574) وقال: «محمد بن السائب الكلبي، أبو النضر الكوفي المفسر النَّسَّابَة الأخباري، قال ابن معين: «الكلبي ليس بثقة»، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب. وقال الدارقطني وجماعة: متروك».

قال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة (514): «أبو النضر الكلبي: متروك الحديث». وقال البخاري في «الضعفاء الصغير» ترجمة (322): «أبو النضر الكلبي تركه يحيى بن سعيد».

العلة الثانية: أبو صالح.

قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» (2/ 255): «محمد بن السائب الكلبي يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئًا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟». اهـ.

قلت: بهذا يتبين أن الطرق الثلاثة التي أخرجها أبو نعيم تزيد القصة وهنًا على وهن لما فيها من كذابين ومتروكين ومجهولين ومدلسين.

3 ـ ابن جرير الطبري في «التاريخ» (1/ 566) أخرج القصة من ثلاثة طرق:

الأول: نفس طريق سلمة بن الفضل بن الأبرش الذي أخرجه أبو نعيم وبينا أنه طريق تالف.

والثاني: من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

قلت: ولقد بينا آنفًا أن هذا الطريق أوهى من سابقه.

والثالث: من طريق سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس.

قلت: وهذا الطريق تالف فيه سلمة بن الفضل وهو متروك كما بينا آنفًا، والحكم بن عتيبة مدلس كما في «التقريب» (1/ 192) وقد عنعن.

4 ـ وأخرج القصة ابن جريج الطبري في «التفسير» (6/ 251 - 252 ح15979) من طريقين:

الأول: هو نفس الطريق الأول الذي أخرجه أبو نعيم والذي بينا ضعفه آنفًا.

الثاني: من طريق الكلبي عن باذام مولى أم هانئ عن ابن عباس.

قلت: وباذام مولى أم هانئ هو أبو صالح كما في «التقريب» (1/ 93).

وهذا هو الطريق الثالث الذي أخرجه أبو نعيم وهو طريق تالف كما بينا آنفًا.

ملحوظة: وقع تصحيف في السند في تفسير ابن جرير حيث جاء اسم أبي صالح (زاذان مولى أم هانئ)، ويجب أن يصحح إلى (باذام مولى أم هانئ) كما في «التقريب» (1/ 93) وقال الحافظ ابن حجر: «ضعيف مدلس»، وقد عنعن فيزداد الطريق ضعفًا على ضعفه.

5 ـ وأخرج القصة ابن أبي حاتم في «التفسير» (5/ 1686) (ح1994) من نفس الطريق الواهي الذي أخرجه أبو نعيم من طريق ابن إسحاق من حديث مجاهد عن ابن عباس ويظهر فيه التدليس والاضطراب.

6 ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» عن محمد بن إسحاق من نفس الطرق التي بينا ضعفها من مدلسين ومجهولين وكذابين ومتروكين.

بدائل صحيحة:

ولقد بين الإمام البخاري الصحيح في هجرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وذكر قصة الهجرة في أكثر من أربعين سطرًا في الحديث رقم (3905) من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي الحديث رقم (3906) من حديث سراقة بن جعشم.

وبوَّب الإمام البخاري بابًا بعنوان «هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة الباب رقم (45) من كتاب «مناقب الأنصار»، وفي هذه القصص الصحيحة الغنى عن هذه القصص الواهية.

هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.} اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير