تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأصل, فكان الأول أولى, ولأنه قول والثاني فعل فكان أولى. وقال النووي: قال القاضي عياض وجماعة من العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيمًا لله تعالى بتقديم اسمه, كما قال النبي ? في الحديث الآخر: لا يقل أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان, ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شاء فلان. والصواب: أن سبب النهي؛ أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز؛ فلهذا ثبت في الصحيح: أن رسول الله ? كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم. وأما قول الأولين فيضعف بأشياء منها: أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله ? كقوله: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما", وغيره من الأحاديث, وإنما ثنى الضمير هذا لأنه ليس خطبة وعظ, وإنما هو تعليم حكم فكل ما قلَّ لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ؛ فإنه ليس المراد حفظها, إنما يراد الاتعاظ بها. ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: علمنا رسول الله ? خطبة الحاجة: الحمد لله نستعينه, إلى أن قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر الا نفسه. وقال الشيخ عز الدين من خصائصه ? أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى وذلك ممتنع على غيره. قال: وإنما يمتنع من غيره دونه؛ لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك". انتهى.

قال الألباني (ص 18): "قلت: وما استضعفه النووي - رحمه الله - هو الصواب, وما استصوبه هو الضعيف, وبيان ذلك بأمور: الأول: قوله: سبب النهي أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح، فتعقبه المحقق السندي - رحمه الله - في تعليقه على مسلم بقوله: إنه ضعيف جدًا إذ لو كان ذلك سببًا للإنكار لكان في محل حصل فيه بالضمير نوع اشتباه, وأما في محل لا اشتباه فيه فليس كذلك, وإلا لكان ذكر الضمير في الخطبة منكرًا منهيًا عنه مع أنه ليس كذلك, بل الإظهار في بعض المواضع في الخطب يكون منكرًا فتأمل. الثاني: تأييده ما ذهب إليه بحديث ابن مسعود بدعوى أن إسناده صحيح, فغير صحيح لما في سنده من الجهالة كما بينا آنفًا. الثالث: على فرض أن الإسناد صحيح, إنما يدل الحديث على الجواز لو كان فيه أن النبي ? كان يعلمهم ذلك كما وقع في "شرح مسلم", وليس كذلك. وهذا خطأ آخر من الإمام النووي حيث ذكر أن نص الحديث عن أبي داود بلفظ: "علمنا خطبة الحاجة. . .", بل ليس هذا اللفظ عند سائر من أخرج الحديث من هذا الوجه وإنما هو في الطريقين الأولين الخاليين عن هذه الزيادة الضعيفة: "أرسلته بالحق. . ." الخ, كما تقدم فكأن النووي - رحمه الله - اختلط عليه أحد اللفظين بالآخر فكان منه سياق لا أصل له في شيء من الروايات فتنبه!. الرابع: أن قوله: قد تكرر ذلك في الأحاديث الصحيحة من كلامه ? , لا يدل على ذلك التفصيل الذي ذهب إليه, وغاية ما فيه أن ذلك وقع منه ? لكن ليس فيه تعليم منه ? أمته, وحينئذ فلا يعارض حديث عدي بن حاتم التقدم لما تقرر في الأصول: أن القول مقدم على الفعل عند التعارض, فيجوز ذلك له ? دون أمته, وحكمة هذا الفرق واضحة؛ ذلك لأنه ? ليس في المحل الذي يظن من كلامه أنه يريد به ما لا يليق بمقام الربوبية والألوهية بخلاف غيره ? فقد يظن به ذلك, فأمر ? باجتناب الشبهات والإفصاح عن المراد على أساس قوله ?: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". انتهى.

وقال السندي في حاشيته على النسائي (6/ 90): "الوجه أن التشريك في الضمير يخل بالتعظيم الواجب ويوهم التشريك بالنظر إلى بعض المتكلمين وبعض السامعين فيختلف حكمه بالنظر إلى المتكلمين والسامعين. والله تعالى أعلم".

قال الألباني: "وأنا أرى أن الصواب: تعميم هذا الحكم سدًا للذريعة وعملاً بعموم حديث: "لا يقل أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان. . ." الحديث. فإنه من هذا الباب الذي ورد فيه حديث عدي ابن حاتم, وما ذهب إليه السندي فيما نقلناه عنه فيما سبق من أن ذكر الضمير في الخطبة غير منكر إنما عمدته حديث ابن مسعود هذا, وقد علمت أنه لا حجة فيه من حيث سنده ومتنه". انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير