رَأْسَهُ في النَّار " _ يعني: مِنْ سِدْرِ الحَرَمِ _.
قال الهيثميُّ في " مجمع الزوائد " (3/ 617 _ رقم:5698) و (4/ 120 _ رقم: 6276) و (8/ 215 _ رقم: 13279): " رواهُ الطَّبرانيُّ في الأوسطِ، ورجالُهُ ثقاتٌ ".
أقولُ: هَذَا إسنادٌ ضعيفٌ مَعْلُولٌ بالاضْطِرَابِ؛ وَإِلَيْكَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ:
أوَّلاً: ابنُ جُريجٍ مُدلِّسٌ قبيحُ التَّدليسِ، لاَ يُدلِّسُ إلاَّ فيما سمعه من مجروحٍ _ كما قال الدَّارقطنيُّ _، وهو هُنَا لم يصرِّحْ بسماعِهِ من عثمانَ، والعجبُ منَ الشَّيخِ الألبانيِّ _ رحمهُ اللَّهُ _ في " السِّلسلةِ الصَّحيحةِ " (2/ 173) حيثُ ذكرَ تدليسَ ابنِ جُريجٍ، ثمَّ قال: " وقدْ صرَّحَ بالتَّحديثِ عنْ عثمانَ بنِ أبي سليمانَ _ هَذَا _ في حديثٍ آخرَ له أخرجه أحمدُ (3/ 411 _ 412) والضِّياءُ "!!.
أقولُ: الحديثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيخُ الألبانيُّ _ رحمهُ اللَّهُ _ هُوَ حَدِيثُ عبدِ اللَّهِ بنِ حُبْشيٍّ: أنَّ النَّبيَّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ سُئلَ: أَيُّ الأعمالِ أفضلُ؟، قالَ: ... ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ غيرُ الحديثِ الَّذِي نحنُ بصددِ الكلامِ عليهِ، فما الفائدةُ من ذكرِ تصريحِ المُدلِّسِ بالتَّحديثِ في غيرِ الحديثِ الَّذي دلَّسَ فيهِ؟!.
ثانياً:سعيدُ بنُ محمَّدِ بنِ جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَهُ البُخاريُّ في " التَّاريخ الكبير " (3/ 514)، وابنُ أبي حاتمٍ في " الجرح والتَّعديل " (4/ 57)، ولم يَذْكُرَا فيهِ شيئاً، وذكرهُ ابنُ حِبَّانَ في " الثِّقاتِ " (4/ 290)، وقال الذَّهبيُّ في " الميزانِ " (2/ 157): " وسعيدٌ فيهِ جهالةٌ، فتُحرَّرُ حالُهُ "، وقالَ عنهُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في " التَّقريب ": " مقبولٌ "، أَيْ: عندَ المتابعةِ، وإلاَّ فَهُوَ ليِّنٌ، ولا مُتابعَ لهُ عَلَى حديثِهِ هَذَا.
ثالثاً: قالَ الذَّهبيُّ في " الميزان " (2/ 157): " وللخبرِ علَّةٌ، رواهُ مَعْمَرٌ عن عثمانَ _ هذا _؛ فقالَ: عنْ رَجُلٍ من ثَقِيفٍ، عن عروةَ بنِ الزُّبيرِ، مُرْسلاً ".
أقولُ: أَشَارَ الذَّهبيُّ إلى أنَّ مَعْمَراً خَالَفَ ابنَ جُريجٍ فيهِ، فرواهُ عنْ عثمانَ بالإسنادِ السَّابقِ مُرْسلاً، ومخالفتُهُ هذه أخرجَها: عبدُ الرَّزَّاقِ في " المُصنَّفِ " (11/ 11 _ رقم: 19756) _ ومن طريقِهِ: البيهقيُّ في " السُّنن الكُبرى " (6/ 139 _ رقم:11541) _ عن مَعْمَرٍ، عن عثمانَ بنِ أبي سليمانَ، عن رجُلٍ من ثَقِيفٍ، عن عروةَ بنِ الزُّبيرِ _ يرفعُ الحديثَ إلى رسولِ اللَّهِ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ في الذَّي يقطعُ السِّدْرَ _ قال: " يُصَبُّ عليهِ العذابُ، أَوْ قالَ: يُكَوَّسُ رأسُهُ في النَّارِ "، قالَ: فسألتُ بني عروةَ عنْ ذَلِكَ؟، فأخبروني أنَّ عروةَ قطعَ سِدْرةً كانت في حائطِهِ، فجعلَ منها باباً للحائطِ.
قالَ البيهقيُّ: " يُشْبِهُ أنْ يكونَ الرَّجلُ من ثَقيفٍ: عمرو بنُ أوسٍ ".
أقولُ: مَعْمَرُ بنُ راشدٍ ثقةٌ ثبتٌ، وروايته _ هذه _ مُقدَّمةٌ على روايةِ ابنِ جُريجٍ؛ لأنَّ ابنَ جُريجٍ وإنْ كان ثقةً _ أيضاً _، إلاَّ أنَّ روايته جاءتْ مُعَنْعَنَةً، وهو مُدلِّسٌ، وروايةُ مَعْمَرٍ وإنْ كانت مُعَنْعَنَةً _ أيضاً _، إلاَّ أنَّه لا يُعْرفُ بتدليسٍ (1)، وكما هو معلومٌ _ في أصولِ التَّرجيحِ _ أنَّ روايةَ غيرِ المُدلِّسِ مُقدَّمةٌ عَلَى روايةِ المُدلِّسِ عندَ التَّعارضِ.
وروايةُ مَعْمَرٍ وإنْ كانتْ راجحةً، إلاَّ أنَّها ضعيفةٌ _ أيضاً _؛ لأجلِ الإرسالِ، ولجهالةِ الرَّجلِ المُبهمِ في السَّندِ.
وخالفَ ابنَ جُريجٍ _ أيضاً _: سفيانُ بنُ عُيَيْنةَ؛ أخرجَ مخالفتَهُ أبو مُسلمٍ الكَجِّيُّ في " سننه " _ كَمَا في " رفعِ الخِدْرِ عن قطعِ السِّدْرِ " للسُّيوطيِّ (2/ 57 _ ضمن الحاوي للفتاوي) _ قال: حدَّثنا الرَّماديُّ، حدَّثنا سفيانُ، عن عثمانَ بنِ أبي سليمانَ، عنِ ابنِ عمٍّ لهُ يُقَالُ لهُ: حسينٌ، عنْ رجلٍ من أهلِ الطَّائفِ، عن عبدِ اللَّهِ ابنِ شديدٍ [كذا في الأصلِ]، وعن أبي إسحاقَ الدَّوْسِيِّ _ رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا _ قالَ: قالَ النَّبيُّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _: " الَّذينَ يقطعونَ السِّدْرَ يَصُبُّ اللَّهُ عليهمُ
¥