أخرجَهُ عبدُ الرَّزَّاقِ في " المُصنَّفِ " (11/ 11 _ رقم:19757) _ ومن طريقِهِ: البيهقيُّ في " السُّنن الكُبرى " (6/ 140 _ رقم:11547) _ قال: وسمعتُ المُثنَّى، يُحدِّثُ عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن محمَّدِ بنِ عليٍّ أبي جعفرٍ؛ قال: قال النَّبيُّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ لعَليٍّ في مرضِهِ الَّذي مَاتَ فيهِ: " اخْرُجْ يا عليٌّ فَقُلْ: عَنِ اللَّهِ لاَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَطَعَ السِّدْرَ ".
أقولُ: سندُهُ ضعيفٌ؛ لِسَبَبَيْنِ:
الأوَّلُ: المُثنَّى هو: ابنُ الصَّبَّاحِ _ كما جاء التَّصريحُ بذلك عندَ البيهقيِّ _، وهو ضعيفٌ، اخْتَلطَ بِأَخَرَةٍ.
الثَّاني: الإرسَالُ، فأبو جعفرٍ الباقرُ لم يدركِ النَّبيَّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _، وروايتُهُ عن جدِّهِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ مُرسلةٌ.
سادساً: مُعْضلُ حسَّانَ بنِ إبراهيمَ الكرمانيِّ.
أخرجَهُ أبو دَاوُدَ في " سننه " (رقم:5241) _ ومن طريقِهِ: البيهقيُّ في " السُّنن الكُبرى " (6/ 141 _ رقم: 11550) _ قالَ: حدَّثنا عُبيدُ اللَّهِ بنُ عمرَ بنِ ميسرةَ، وحُمَيدُ بنُ مسعدةَ؛ قالا: حدَّثنا حسَّانُ بنُ إبراهيمَ؛ قالَ: سألتُ هشامَ بنَ عروةَ عن قطعِ السِّدْرِ _ وهو مُسْتندٌ إلى قصرِ عروةَ _ فقال: أَتَرَى هذه الأبوابَ والمَصَارِيعَ؟، إنَّما هي من سِدْرِ عروةَ، كان عروةُ يقطعُهُ من أرضِهِ، وقال: لا بأسَ به _ زادَ حُميدٌ: هي يا عراقيُّ، جئتني ببدعةٍ، قالَ: قلتُ: إنَّما البدعةُ من قِبَلِكُمْ، سمعتُ من يقولُ بمكَّةَ: لَعَنَ رسولُ اللَّهِ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ مَنْ قَطَعَ السِّدْرَ، ثمَّ سَاقَ معناهُ.
أقولُ: هذا إسنادٌ جيِّدٌ لولا إعضالَهُ؛ فإنَّ بينَ حسَّانَ بنِ إبراهيمَ وبينَ النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ مَفَاوِزَ تَنْقَطعُ فيها أَعْنَاقُ المَطِيِّ.
الخلاصةُ؛ لا يصحُّ في النَّهيِ عن قطعِ السِّدْرِ حديثٌ، فحديثُ عائشةَ _ رضيَ اللَّهُ عنها _ الصَّوابُ فيه أنَّهُ موقوفٌ على عروةَ بنِ الزُّبيرِ من قولِهِ، وحديثُ معاويةَ ابنِ حَيْدةَ _ رضيَ اللَّهُ عنهُ _ وإنْ جاءَ فيهِ إسنادٌ جيِّدٌ، إلاَّ أنَّ مداره على بهزِ بنِ حكيمٍ، وفي النَّفسِ منهُ شيءٌ؛ لتفرُّدِهِ به، وفَقْدِ المتابعِ لهُ، وحديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ حُبْشيٍّ ضعيفٌ مَعْلُولٌ بالاضْطِرَابِ، وحديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ أبي شديدةَ ضعيفٌ مُرسلٌ، وحديثُ أبي جعفرٍ الباقرِ ضعيفٌ مُرسلٌ _ أيضاً _، وحديثُ حسَّانَ بنِ إبراهيمَ مُعْضَلٌ.
لِذَا؛ قالَ الطَّحاويُّ: " وَقَدْ كَانَ سفيانُ الثَّوريُّ يَذْكُرُ هَذَا [وَجَاءَ في نُسْخةٍ أخرى: يُنْكِرُ هَذَا الحديثَ]، ويأمرُ بالعملِ بضدِّهِ، كَمَا حدَّثنا ابنُ أبي عِمْرانَ؛ قالَ: حدَّثنا عليُّ بنُ الجعدِ؛ قالَ: سمعتُ سفيانَ بنَ سعيدٍ وسُئِلَ عن قطعِ السِّدْر؛ فقال: قد سمعنا _ مرَّةً _ بحديثٍ، لاَ تَدْرِي مَا هُوَ، ما يَرَى بقطعِهِ بأسٌ " (3).
أقولُ: وَهَذَا إسنادٌ صحيحٌ إلى الثَّوريِّ، فابنُ أبي عِمْرانَ هُوَ: أحمدُ بنُ أبي عِمْرَانَ، أبو جعفرٍ الفقيهُ، أحدُ أصحابِ الرَّأيِ، وهو أُسْتَاذُ أبي جعفرٍ الطَّحاويِّ، وثَّقَهُ ابنُ يُونسَ، وعليُّ بنُ الجعدِ ثقةٌ ثبتٌ، من رجالِ البُخاريِّ.
وقال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ _ رحمهُ اللَّهُ _ في روايةِ أبي طالبٍ: " ليسَ في السِّدْرِ حديثٌ صحيحٌ، وما يُعْجِبُني قطعُهُ؛ لأنَّهُ على حَالٍ قد جَاءَ فيه كراهةٌ " (4).
وقالَ _ أيضاً _: " كُلُّ ذَلِكَ مُنْقطعٌ ضعيفٌ " (5).
وقالَ العُقيليُّ _ رحمهُ اللَّهُ _: " والرِّوايةُ في هَذَا البابِ فِيهَا اضْطِرابٌ وضعفٌ، ولاَ يصحُّ في قطعِ السِّدْرِ [شيءٌ] " (6).
¥