تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَقَدْ جاءَ عن عروةَ بنِ الزُّبيرِ _ نفسِهِ _ أنَّه كَانَ يقطعُ السِّدْرَ منْ أرضِهِ، فأخرجَ الطَّحاويُّ في " مشكلِ الآثارِ " (4/ 118) عن روحِ بنِ الفرجِ؛ قال: سمعتُ حامداً _ يعني: ابنَ يحيى _ يقولُ: ذكرتُ هذا الحديثَ لسفيانَ بنِ عُيَيْنةَ؛ فقال: ذَهَبتُ إلى عمرِو بنِ دينارٍ فسألتُهُ عنه؛ فقال لي: اذْهَبْ إلى عثمانَ بنِ أبي سليمانَ فإنَّهُ يحدِّثُ به، فَذَهبتُ إلى عثمانَ، فحدَّثني فيه بحديثينِ اخْتَلَطَ عليَّ إسنادُهما، قال سفيانُ: فسألتُ هشامَ بنَ عروةَ عن قطعِ السِّدْرِ؛ فقال: هذه الأبوابُ من سِدْرَةٍ كانت لأبي قطعَها، فجعلَ منها هذه الأبوابَ.

أقولُ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُهُ ثقاتٌ _ وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه، وتابعَ سفيانَ بنَ عُيَيْنةَ عليه: حسَّانُ بنُ إبراهيمَ الكَرْمانيُّ _ وهو صدوقٌ يُخْطىءُ _، أخرجَ متابعتَهُ أبو داودَ في " سننه " (رقم:5241) _ ومن طريقِهِ: الخَطَّابيُّ في " غريبِ الحديثِ " (1/ 476) _ قال: حدَّثنا عُبيدُ اللَّهِ بنُ عمرَ بنِ ميسرةَ، وحُميدُ ابنُ مسعدةَ؛ قالا: حدَّثنا حسَّانُ بنُ إبراهيمَ؛ قال: سألتُ هشامَ بنَ عروةَ عن قطعِ السِّدْرِ _ وهو مُسْتندٌ إلى قصرِ عروةَ _ فقال: أَتَرَى هذه الأبوابَ والمَصَارِيعَ؟، إنَّما هي من سِدْرِ عروةَ، كان عروةُ قطعُهُ من أرضِهِ، وقال: لاَ بأسَ بِهِ.

وقال الطَّحاويُّ: " مع أنَّ سَائرَ أهلِ العلمِ _من فقهاءِ الأَمْصَارِ الَّذينَ تَدُورُ عليهِمُ الفُتْيَا _ على إِباحَةِ قطعِهِ، وفي ذلك ما قد دلَّ أنَّ الأَوْلَى فيه إِباحَةُ قطعِهِ، لا المنعُ [منه]، وباللَّهِ التَّوفيقُ " (7).

وعن أبي ثورٍ؛ قال: " سألتُ أبا عبدِ اللَّهِ الشَّافعيَّ عن قطعِ السِّدْرِ؟، فقال: لاَ بأسَ به، قد رُوِيَ عنِ النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ أنَّهُ قال: اغْسِلْهُ بماءٍ وسِدْرٍ " (8).

وحَكَى المُزَنِيُّ عنِ الشَّافعيِّ أنَّهُ اسْتَدَلَ على جَوازِ قطعِ سِدْرِ الحَرَمِ بحديثِ الَّذي وَقَصَتْهُ ناقتُهُ، لقولِهِ فيهِ: " واغْسِلُوهُ بماءٍ وسِدْرٍ " (9).

وقال الخطَّابيُّ _ رحمهُ اللَّهُ _: " قال المُزَنِيُّ: والدَّليلُ على جوازِ قطعِ السِّدْرِ أنَّ المرءَ أحقّ بمالِهِ، ولمَّا لم أَرَ أحداً يمنعُ من ورقِ السِّدْرِ، والورقُ من بعضِها، كالغُصْنِ منها، وقد سوَّى رسولُ اللَّهِ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ فيما حَرَّمَ قطعَهُ بينهُ وبينَ عضدِهِ، لقولِهِ في شجرِ مكَّةَ: (لاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا)، وفي إجازةِ النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ أنْ يُغْسلَ الميِّتُ بالسِّدْرِ دليلٌ على أنَّ قطعَهُ من شجرِهِ مُباحٌ، ولو كان حراماً لم يجزِ الانْتِفَاعُ بِهِ " (10).

وقدْ تَأَوَّلَ البعضُ أحاديثَ النَّهيِ عن قطعِ السِّدْرِ _ مع ضعفِها _ بتأويلاتٍ مختلفةٍ:

فقال ابنُ الجوزيِّ: " وقدْ تَأَوَّلَ _ ذلك _ سفيانُ بنُ عُيَيْنةَ بأنَّ المرادَ: سِدْرُ الحَرَمِ " (11).

وسُئِلَ أبو دَاوُدَ عنْ معنى هذا الحديثِ _ أَيْ: حديث عبدِ اللَّهِ بنِ حُبْشيٍّ _؛ فقال: " هذا الحديثُ مختصرٌ، يعني: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فَلاَةٍ يَسْتَظِلُّ بها ابنُ السَّبيلِ والبهائمُ عبثاً وظُلْماً بغيرِ حقٍّ يكونُ له فيها؛ صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ في النَّارِ " (12).

وقال البيهقيُّ: " فالحديثُ الَّذي رُوِيَ في قَاطِعِ السِّدْرِ يكونُ محمولاً عَلَى مَا حملَهُ عليهِ أبو دَاوُدَ السِّجِسْتَانيُّ _ رحمهُ اللَّهُ _ إنْ صحَّ طريقُهُ؛ ففيهِ منَ الاخْتِلافِ ما قدَّمْنَا ذِكْرَهُ، ورُوِّينَا عنْ عروةَ بنِ الزُّبيرِ أنَّهُ كَانَ يقطعُهُ منْ أَرْضِهِ، وَهُوَ أَحَدُ رواةِ النَّهْيِ، فيُشْبِهُ أنْ يكونَ النَّهيُ خَاصّاً كَمَا قالَ أبو دَاوُدَ _ رحمهُ اللَّهُ _، واللَّهُ أعلمُ " (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير