ثمَّ قال ابنُ عَدِيٍّ: " فسوَّاه سفيان الفَزَاريُّ هذا؛ فقال: عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر، ورواه عن منصور بن سلمة، عن سليمان بن بلال، وسليمان ثقة، ومنصور لا بأس به، وإنَّما يروي جعفر بن محمَّد عن جماعةٍ من أهل بَدْرٍ، عن النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _، حدَّثناه ابنُ سعيدٍ، حدَّثنا أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن جعفر " (27).
ثمَّ قال في آخر ترجمة سفيان: " وفي أحاديثه موضوعات، وسرقات يسرقها من قومٍ ثقاتٍ، وفي أسانيد ما يرويه تبديل قومٍ بدل قوم، واتصال الأسانيد، وهو بيِّن الضَّعف " (28).
وكذلك أخرجَ ابنُ عَدِيٍّ في ترجمة سيفِ بنِ محمَّد ابن أخت سفيان الثوريِّ من طريقه قال: حدَّثنا عبد العزيز بن رفيع، عن عامر بن واثلة، عن أبي مسعود الأنصاريِّ؛ قال: قال رسول اللَّه _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _: " لو يعلمِ النَّاسُ ما في الصَّفِ الأوَّلِ؛ ما أصابوه إلاَّ بقرعةٍ ".
قال ابنُ عَدِيٍّ: " قال لنا ابنُ صَاعِدٍ: بيَّن سيفٌ ضعفه في إسناد هذا الحديث وتسويته، وإنَّما هو عن عامر بن مسعود.
والذي قاله ابنُ صَاعِدٍ كما قال، وسيف بن محمَّد جعل بدل عامر بن مسعود: عامر بن واثلة، وعامر بن واثلة هو: أبو الطُّفيل، ثمَّ زاد في الإسناد أيضاً: عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ، عن النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _، وليس لأبي مسعود ولا لعامر بن واثلة في هذا الإسناد ذكر، وقد رواه عن عبد العزيز بن رفيع جماعة من الكوفيين، وغيرهم، عن عامر بن مسعود، عن النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ مرسلاً " (29).
قلت: فأنت ترى هنا أنَّ تسوية الأسانيد إذا جاءت مقترنةً بسرقةِ الحديثِ فالمقصود بها: تغيير الإسناد، وتبديل رجاله، وقد وافق ابنَ عَدِيٍّ على هذا التفسير الإمام ابنُ الجوزيِّ حيث قال: " وقد كان بعضهم يضع الحديث فيسرقه الآخر، ويغيِّر إسناده " (30)، فعبارةُ ابنِ الجوزيِّ مُفَسِّرةٌ لقولِ منْ قالَ: " يسرقُ الحديثَ، ويسوِّي الأسانيدَ ".
لذا؛ أرى أنَّ الحافظَ ابنَ حَجَرٍ قد جانب الصَّوابَ في تفسيره هذا، أمَّا استدراكه على شيخه العراقيِّ حيث قال: " ذكر شيخنا _ العراقيُّ _ ممَّن عُرفَ بالتَّسويةِ جماعةً، وفاته أنَّ ابنَ حِبَّانَ قال في ترجمة ... إبراهيم بن عبد اللَّه المِصِّيصيِّ: كان يُسوِّي الحديث " (31)؛ فهو مردودٌ بما بيَّنَّاه آنفاً، وقد تابع الدكتور مِسْفر الحافظَ ابنَ حَجَرٍ في تفسيره للتَّسويةِ، فذكر إبراهيم بن عبد اللَّه المِصِّيصيَّ في كتابه: " التَّدليس في الحديث " (32)، وجعله في المرتبة الخامسة.
ـ[نادر بن وهبي النَّاطور]ــــــــ[16 - 03 - 09, 11:42 ص]ـ
نماذج تُبيِّنُ طريقتي في إيرادي لترجمةِ الرَّاوي المُدلِّسِ
• النموذج الأول:
45 _ (خ، 4) ثور بن يزيد بن زياد، الكَلاَعيُّ، أبو خالدٍ، الحِمْصيُّ (33).
• نوع التدليس: الإسناد
• المرتبة: الأولى
قال أبو داود: حدَّثنا موسى بن مروان، ومحمود بن خالد الدِّمشقيُّ - المَعْنَى -؛ قالا: حدَّثنا الوليد، قال محمود: أخبرنا ثور بن يزيد، عن رجاء بن حَيْوَةَ، عن كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة؛ قال: وضَّأْتُ النَّبيَّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ في غزوة تبوكٍ؛ فمسح أعلى الخفَّين وأَسْفَلَهُما.
قال أبو داودَ: " وبلغني أنَّه لم يَسْمعْ ثور هذا الحديث من رجاء " (34).
قلت: لأجلِ قولِ أبي داودَ هذا أورده الحافظُ برهانُ الدِّينِ الحلبيُّ في المدلِّسين، ولم يذكره أحدٌ غيره ممَّن صنَّف في المدلِّسين (35)، وفي إيراده هذا نظرٌ، وإليك بيان ذلك:
هذا الحديثُ أخرجَهُ _ أيضاً _ أحمد في " مسنده " (4/ 251)، والترمذيُّ في " سننه " (رقم:97)، و " العلل الكبير " (رقم:70)، وابنُ ماجه في " سننه " (رقم:550)، و الدَّارقطنيُّ في " سننه " (1/ 195)، والبيهقيُّ في " السُّنن الكُبرى " (1/ 290) من طريق الوليد بن مسلم؛ به.
¥