تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمامُ الترمذيُّ: " وهذا حديثٌ معلولٌ، لم يُسْنِدْهُ عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلمٍ، وسألت أبا زُرْعة ومحمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث؛ فقالا: ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ ابن المبارك روى هذا عن ثورٍ، عن رجاء بن حَيْوَة؛ قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة؛ مُرْسلٌ عن النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _، ولم يُذْكُرْ فيه المغيرة " (36).

هكذا جاءت العبارة عن الترمذيِّ؛ بينما قال الدَّارقطنيُّ: " رواه ابن المبارك، عن ثور؛ قال: حُدِّثت عن رجاء بن حَيْوَة، عن كاتب المغيرة، عن النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ مرسلاً ليس فيه المغيرة ".

وقال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: " قال الأثرمُ عن أحمد أنَّه كان يُضعِّفه؛ ويقول: ذكرته لعبد الرحمن بن مَهْدي؛ فقال: عن ابن المبارك، عن ثور: حُدِّثت عن رجاء، عن كاتب المغيرة _ ولم يذكر المغيرة _، قال أحمد: وقد كان نُعيم بن حمَّاد حدَّثني به عن ابن المبارك كما حدَّثني الوليد بن مسلم به عن ثور؛ فقلت له: إنَّما يقول هذا الوليد، فأمَّا ابن المبارك فيقول: حُدِّثت عن رجاء، ولا يذكر المغيرة؟ فقال لي نُعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه، فأخرج إليَّ كتابه القديم _ بخطٍّ عتيقٍ _ فإذا فيه ملحق بين السَّطرين _ بخطٍّ ليس بقديمٍ _: عن المغيرة، فأوقفته عليه، وأخبرته أنَّ هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للنَّاس بعدُ _ وأنا أسمع _: اضربوا على هذا الحديث " (37).

لذلك قال الشَّيخ أحمد شاكر _ رحمه اللَّه _: " فكلام أحمد وأبي داود والدَّارقطنيِّ يدلُّ على أنَّ العلَّة أنَّ ثوراً لم يسمعه من رجاء، وهو ينافي ما نقله الترمذيُّ هنا عن البخاريِّ وأبي زُرْعة: أنَّ العلَّة أنَّ رجاءاً لم يسمعه من كاتب المغيرة، وأنا أظنُّ أنَّ الترمذيَّ نسي؛ فأخطأ فيما نقله عن البخاريِّ وأبي زُرْعة " (38).

قلت: وأمَّا محاولةُ الشَّيخِ أحمد شاكر تصحيحه لهذه الزِّيادة الواردة من طريق الوليد بن مسلم _ وهي: " وأَسْفَلَهُما " _ فهي مغالطة منه، فهذه الزِّيادةُ غير محفوظة، فقد قال ابن أبي حاتمٍ: " سمعت أبي يقول في حديث الوليد، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حَيْوَة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة؛ أنَّ النَّبيَّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ مسح أعلى الخف وأسفله. فقال: ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح " (39)، وقال البُخاريُّ: " حدَّثنا محمَّد بن الصّبَّاح، حدَّثنا ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن عروة ابن الزُّبير، عن المغيرة: رأيت رسول اللَّه _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ يمسح على خفَّيه ظاهرهما. قال: وهذا أصحُّ من حديث رجاء عن كاتب المغيرة " (40).

وقولُ الشَّيخِ أحمد شاكر بأنَّ الوليد بن مسلم ثقةٌ حافظٌ متقنٌ، وأنَّ زيادة الثقة مقبولة؛ فيردُّ عليه بأنَّ ما قاله صحيح؛ ولكن الوليد بن مسلم مع ثقته يُدلِّسُ ويُسوِّي، ولا يبعد أن تكون هذه الزِّيادة من طريق أحد الضُّعفاء؛ فأسقطه الوليد بن مسلم من الإسناد وسوَّاه، فإلصاق التدليس بالوليد في هذا الحديث أولى من إلصاقها بثورٍ الذي لم يعهد عليه تدليس، واللَّه أعلم.

وأمَّا ما ذكره الشَّيخ أحمد شاكر من أنَّ الدَّارقطنيَّ والبيهقيَّ روياه من طريق داود بن رُشَيْد _ وهو ثقةٌ _: " حدَّثنا الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، حدَّثنا رجاء بن حَيْوَة "، فقد صرَّح ثور في هذه الرواية بالسَّماع من رجاء؛ فقد كفانا مؤونة الردِّ عليه الحافظ ابن حَجَرٍ حيث قال: " ووقع في سنن الدَّارقطنيِّ ما يوهم رفع العلَّة وهي: ... " فذكر رواية الدَّارقطنيِّ السَّابقة؛ ثمَّ قال: " فهذا ظاهره أنَّ ثوراً سمعه من رجاء فَتَزُولُ العلَّة، ولكن رواه أحمد بن عُبيد الصَّفَّار في " مسنده " عن أحمد ابن يحيى الحلوانيِّ، عن داود بن رُشَيْد؛ فقال: عن رجاء، ولم يقل: حدَّثنا رجاء، فهذا اختلاف على داود يمنع من القول بصحَّةِ وصله، مع ما تقدَّم في كلام الأئمَّة " (41).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير